الأمل تحت الأنقاض.. عودة سكان غزة تصطدم بانتشار "مخلفات الحرب".. أهالى القطاع يواجهون شبح الألغام تحديا للتهجير وحفاظا على القضية.. السلطة تحذر المواطنين من مناطق بعينها.. وخطة شمولية لإزالة الركام.. فيديو وصور

فى تحد كبير لشعب مناضل ووقوفا في وجه مخططات التهجير، وبين الأنقاض والشوارع المدمرة، عاد العديد من سكان غزة إلى ديارهم بعد انتهاء جولة جديدة من الصراع، حاملين معهم آمالًا في إعادة بناء حياتهم وقطاعهم المدمر.
نعم انتهت الحرب على غزة حسب الاتفاق المعلن والذي بدأ تنفيذه في 20 يناير الماضي، ولكن آثارها قد تمتد لسنوات عديدة لأسباب عديدة على رأسها ما نتناوله في هذا التحقيق وهو مخلفات الحرب سواء صواريخ أو قنابل غير منفجرة، أو الألغام التي فخخ بها الاحتلال العديد من المنازل في المدن التي اجتاحها بريا بالقطاع على مدار 471 يوما، ووسط جهل المواطنين بطرق التعامل الآمنة مع تلك الأجسام فإنها قد تنفجر في أية لحظة لتوقع ضحايا كثر، وهو ما حدث بالفعل في أول أيام الهدنة، عندما أكدت وزارة الصحة في غزة إصابة 3 أطفال بجروح جراء انفجار جسم من مخلفات إسرائيل بمدينة رفح.
بحسب التقرير الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فإن ما بين 4000 إلى 5000 صاروخ، سقطوا في عمق يصل إلى 20 مترا تحت أرض المباني التي استهدفت، ويحتاج إزالتها إلى خبرات دولية وإمكانيات مالية ووقتا طويلا، وهو ما يؤدى إلى إعاقة الحياة في مناطق سكنية كاملة، مؤكدة أن 10% من القذائف والصواريخ والقنابل التي أُلقيت على غزة لم تنفجر، وهناك 42 مليون طن من الأنقاض تتكلف إزالتها فقط 1.2 مليار دولار، وتستغرق قرابة 15 عاما بافتراض استخدام أسطول من 100 شاحنة تعمل على مدار الساعة.
مخلفات الحرب العالمية الثانية لازالت تضرب ألمانيا وأمريكا
للوقوف أكثر على خطورة مخلفات الحروب واستغراقها لسنوات عديدة لإزالتها، فإن أبرز مثال على ذلك هي مخلفات الحرب العالمية الثانية، فرغم مرور 80 عاما على نشوبها إلا أنه في عام 2021 أعلنت السلطات الأمريكية الكشف عن الآلاف من الذخائر القابعة تحت الماء على ساحل مدينة لوس أنجلوس، حيث وجدت أكثر من 25 ألف جسم يشبه البرميل في قاع البحر، أمام ساحل لوس أنجلوس الأمريكية، والتي كانت عبارة ذخائر تعود إلى حقبة الحرب العالمية الثانية، وتشمل المئات من القنابل المضادة للغواصات، والمعروفة باسم عبوات" القنفذ" و"مارك".
في ذات العام وبالتحديد 25 ديسمبر 2021، اضطرت السلطات الألمانية إلى إجلاء 50 ألف من سكان مدينة أوغسبورغ، لتفكيك قنبلة غير منفجرة ضخمة من مخلفات الحرب العالمية الثانية، واعتبرت حينها أكبر عملية إجلاء من نوعها بسبب قنبلة غير منفجرة منذ نهاية الحرب في عام 1945، وكشفت حينها أن القنبلة غير المنفجرة بريطانية الصنع وتزن 1.8 طن، تم إلقائها على المدينة حينها خلال غارة جوية في عام 1944 بهدف إرغام ألمانيا على الاستسلام لوقف الحرب، ثم بعدها بعامين في 8 أغسطس 2023 ، أجلت السلطات الألمانية 13 ألف شخص من منازلهم في مدينة دوسلدورف بعد اكتشاف قنبلة أمريكية من مخلفات الحرب العالمية الثانية.
هذه إطلالة بسيطة على خطورة تلك مخلفات التي تنتج عن النزاعات المسلحة، وهو ما يلقى بظلاله على ما ينتظر غزة بعد وقف إطلاق النار، نعم الهدوء عاد للقطاع وتوقف القصف الإسرائيلي، لكن الخطر ما زال قائما، خاصة مع الكميات الكبيرة من المتفجرات والقنابل التي تم إلقائها ولم تنفجر، وهو ما يستدعى تدخل دولي للمساهمة في إنجاز مهمة إزالة تلك الأسلحة التي يتوقع خبراء أن تستمر لسنوات عديدة .
ومن خلال الحديث مع 18 فلسطينيا بين مواطنين ومسئولين ورؤساء بلديات وخبراء، وكذلك خبيرين أكاديميين في البيئة، نكتشف السيناريوهات الغامضة التي تنتظر مستقبل غزة، حيث حققنا في حجم انتشار تلك المخلفات بعد بدء تنفيذ وقف إطلاق النار، والإصابات التي سببتها لسكان القطاع، وتأثيراتها الحالية والمستقبلية وطرق وتكلفة ومدة إزالتها، بجانب الاستشهاد بنماذج دول ضربتها مخلفات النزاعات على رأسها دول الحرب العالمية الثانية وتأثير تلك الأزمة عليهم بعد عقود من انتهاء تلك الحروب.
آثار مخلفات الحرب العالمية الثانية
تعريف مخلفات الحرب
وتعرف اللجنة الدولية للصليب الأحمر الذخائر غير المنفجرة بمخلفات الحرب من أسلحة لم تنفجر عند تفعيلها وتركت في أعقاب نزاع مسلح مثل القنابل والصواريخ والقذائف المدفعية والقنابل اليدوية، حيث تقتل وتصيب هذه الذخائر الآلاف من الأشخاص حول العالم سنويا جراء انفجارها.
المواطن الفلسطيني عاهد الريس، المقيم في خان يونس، والذي نزح لفترة في شمال القطاع وكذلك في رفح خلال العدوان ثم عاد مؤخرا لمنزله مع أسرته، يكشف تفاصيل اكتشاف صاروخ إسرائيلي ضمن مخلفات الحرب بجوار محل أسرته، قائلا :" خلال عودتنا بعد وقف إطلاق النار إلى منزلنا اكتشفنا صاروخ للاحتلال تم إلقائه منذ ما يقرب من خمسة أشهر بين البيوت خلال اجتياح المدينة".
أحد مخلفات الحرب في محل تابع للمواطن عاهد الريس
ويضيف "الريس" لـ"اليوم السابع"، أن الأسرة شاهدت دمار كبير ألحقه الاحتلال بالشارع الذي نعيش فيه، وخلال مرورنا على المحل شاهدنا مع بعض الجيران هذا الصاروخ الضخم، الذي إذا كان انفجر خلال إلقاءه لمسح المنطقة بشكل كامل، إلا أن إرادة الله كانت رحيمة بالمنطقة.
وأرسل عاهد الريس، صورة للصاروخ المكتشف في خان يونس، متابعا :" تعاملنا مع الوضع بكل هدوء، وتواصلنا علي المعنيين الذين أرسلوا مختصين الذين طلبوا من السكان عدم الاقتراب من هذا الجسم وغطوه ببطانية كي لا تستهدفه طائرات الاستطلاع الإسرائيلية وأكدوا لنا أنه بمجرد حضور المعدات الخاصة سيحضرون لإزالة هذا الخطر".
سقوط شهداء ومصابين جراء مخلفات الحرب
بحسب بيان أصدره المكتب الإعلامي الحكومي بغزة في 22 يناير الماضي، أي بعد يومين من بدء تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، تضمن تحذيرا عاجلا وعالي الخطورة بخصوص انفجار مخلفات الاحتلال التي تهدد حياة المواطنين، حيث حذر الفلسطينيين في القطاع من خطورة مخلفات الاحتلال الحربية من قنابل وصواريخ وقذائف لم تنفجر بعد، والتي تُشكل تهديدا مباشرا على حياتهم.
بيان وزارة الأشغال العامة الفلسطينية
وأكد المكتب الإعلامى الحكومي، استقبال مستشفيات القطاع على مدار الأيام القليلة الماضية إصابات وشهداء بسبب انفجار أجسام مشبوهة من مخلفات الاحتلال "الإسرائيلي"، مطالبا سكان غزة بعدم الاقتراب أو عدم العبث مطلقاً بأي جسم مشبوه أو غير معروف الشكل، وإبلاغ الجهات المختصة فوراً عند العثور على أي مخلفات حربية أو أجسام مشبوهة، وذلك عبر التواصل مع الدفاع المدني أو الشرطة الفلسطينية، وتوعية الأطفال بعدم الاقتراب أو اللعب في المناطق التي تعرضت للقصف، والالتزام بالتعليمات الصادرة عن الجهات الحكومية الرسمية والمختصة لتجنب الحوادث المؤسفة.
توجيهات للفلسطينيين بعدم العودة لمناطق شهدت توغل الاحتلال
تواصلنا مع إسماعيل الثوابتة، مدير المكتب الإعلامى الحكومى في غزة، الذي يؤكد أنه حتى الآن لا يوجد إحصائية دقيقة حول ضحايا مخلفات الحرب الإسرائيلية على القطاع لكن هناك عدد من الشهداء والجرحى بهذا الخصوص.
إجراءات عديدة اتخذتها السلطات الفلسطينية لضمان عدم وجود كارثة في القطاع نتيجة مخلفات الحرب بمجرد وقف إطلاق النار، وهو ما يكشف عنه إسماعيل الثوابتة، في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، بأنه تم دعوة الشعب الفلسطيني إلى ضرورة الالتزام بالحيطة والحذر وتجنب الاقتراب من الأماكن التي شهدت عمليات عسكرية أو ما زالت تحت الرقابة، وضرورة البقاء في المنازل والأماكن العامة حتى صدور تعليمات إضافية من الجهات الحكومة في القطاع .
تعليمات حول عدم الاقتراب من مخلفات الحرب في غزة
ويضيف "الثوابتة" أن المكتب الإعلامي أصدر مجموعة من التعليمات والتوجيهات لأبناء الشعب الفلسطيني في إطار الحفاظ على السلامة العامة وطالب بضرورة تجنب تداول الشائعات والمعلومات المغلوطة خاصة تلك التي ينشرها الإعلام العبري، والتي تهدف لزعزعة الصف الفلسطيني، منها تحذير الفلسطينيين خلال التنقل وعودة النازحين بالابتعاد عن الأماكن المدمرة لتجنب المخاطر وتجنب المباني المقذوفة لتجنب الانهيارات التي قد تحدث، خاصة أن هناك منازل مقصوفة ما زال بها صواريخ وقنابل لم تنفجر حتى الآن.
"ضرورة ابتعاد المواطنين عن الصواريخ والأجسام المشبوهة التي لم تنفجر وكذلك الحذر خلال تحركاتهم اليومية وتجنب التجمعات وضرورة الالتزام بالإرشادات العامة ورفع مستوى الوعي والإدراك خاصة مع تلك الظروف الحرجة والحساسة التي يعيشها الفلسطينيين"، هنا يتحدث "الثوابتة"، عن أبرز الإرشادات التي يوزعها المكتب الإعلامى الحكومى على المواطنين، لافتا إلى أنه بالنسبة للأماكن المحاذية للسياج الحدودى سيتم التأكد من عدم وجود مخاطر فيها ثم يتم الإعلان عن الإجراءات المتتالية بما يضمن مصلحة الشعب الفلسطيني وسلامته .
ويوضح مدير المكتب الإعلامى الحكومي، أنهم أبلغوا الفلسطينيين بضرورة التواصل مع الجهات المختصة للإبلاغ عن أي مخاطر محتملة في المناطق التي بها أجسام غريبة والمدمرة، ونصحت النازحين بعدم العودة فورا للمناطق التي شهدت توغلا للاحتلال إلا بعد فحصها من قبل الفرق الحكومية المختصة التي ستتولى بشكل كامل التعامل مع أي مخلفات حربية ومواد خطرة قد تكون قد تركتها قوات الاحتلال وستظل بعض المناطق القريبة من السياج الحدودي محظورة حتى يتم تأمينها بشكل كامل، مؤكدا أن هناك فرق صحية وميدانية كاملة لإجراء فحوصات شاملة لكل أسير فلسطيني يتم الإفراج عنه من قبل الاحتلال للتأكد من سلامته.
مستشفيات غزة تستقبل حالات إصابة بسبب مخلفات الحروب
تحدثنا مع عدد من مدراء المستشفيات في القطاع حول استقبالهم لحالات إصابة لمواطنين بسبب مخلفات الحرب وقنابل انفجرت في أجسادهم بعد بدء وقف إطلاق النار، وهنا يؤكد الدكتور مروان أو ناصر مدير مستشفى العودة في مخيم النصيرات بغزة، في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن المستشفى استقبل حالات بالفعل لأطفال في المحافظة الوسطى أصيبوا بسبب العبث بمخلفات حرب، مشيرا إلى أنه في يوم الأربعاء 22 يناير جاء حالتين وتم علاجهم.
تقرير الأمم المتحدة بشأن مخلفات الحرب في غزة
في نفس السياق، يؤكد الدكتور محمد صالحة مدير مستشفى العودة تل الزعتر بشمال غزة، في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن المستشفى استقبل إصابات من مخلفات الحروب منذ 20 يناير حتى اليوم سواء لحالات عبثت في قنابل لم تنفجر وانفجرت فيها أو لمخلفات أسلحة مما تسبب في إحداث جروح بجسدها، مشيرا إلى أن أغلب تلك الإصابات هي لأطفال عبثوا بأجسام غريبة خلال عودتهم لمنازلهم عقب وقف إطلاق النار.
هناك أيضا مازن العرقان، مواطن فلسطيني من حي الشجاعية، خلال عودته إلى منزله في شارع المنصور بمنطقة القبة بحي الشجاعية، فوجئ بصاروخ لم ينفجر بجانب منزله، مكتوب عليه عبارات باللغة العبرية، حيث أمدنا بفيديو حول هذا الجسم المشبوه، مؤكدا لـ"اليوم السابع"، أنه اكتشفه مع الأهالى، ولم يتضرر أحد، وأبلغوا الجهات المختصة التي انتشلت الصاروخ وتخلصت منه بشكل آمن.
فيديو يظهر مخلفات الحرب في حي الشجاعية
بقايا الذخائر غير المنفجرة تشكل تهديدا طويل الأمد وتعيق الأنشطة المستقبلية
ووفقا لتقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة في 10 نوفمبر الماضي، عبر موقعه الرسمي، أكد أن بقايا الذخائر غير المنفجرة تشكل تهديدا طويل الأمد في غزة، وتعيق الأنشطة المستقبلية وإعادة الإعمار والتعافي في القطاع، الأمر الذي يتطلب استجابة عاجلة بمجرد أن تضع الحرب الحالية أوزراها.
ونقلت المنظمة عن تاكوتو كوبو، رئيس قسم إدارة ودعم البرامج في دائرة الأمم المتحدة للإجراءات المتعلقة بالألغام "أونماس"، تأكيده أن دائرة الأمم المتحدة للإجراءات المتعلقة بالألغام أجرت 379 تقييما لمخاطر المتفجرات في غزة، ورافقت 271 قافلة إنسانية إلى القطاع، ولاحظت مخلفات الحرب من المتفجرات بما فيها قذائف المدفعية وقذائف الهاون والصواريخ والقنابل الجوية غير المنفجرة.
توجيهات نقابة الصحفيين الفلسطينيين
وأوضح أنه تم الإبلاغ عن مخلفات عبوات ناسفة مرتجلة، والتي تشكل خطرا على حياة الناس في غزة، كما تنشر دائرة الأمم المتحدة للإجراءات المتعلقة بالألغام أفرادا متخصصين لتنسيق الاستجابة للذخائر المتفجرة في غزة، لافتا إلى نشر سبعة ضباط متخصصين في التخلص من الذخائر المتفجرة، والذين يقومون بإجراء تقييمات لمخاطر المتفجرات، اثنان منهم ضباط معارون من المنظمات غير الحكومية الدولية، كما تم نشر اثنين من مساعدي التوعية بالمخاطر، لتنسيق أعمال التوعية بمخاطر الذخائر المتفجرة في غزة.
وأشار إلى أن مؤسسة أونماس مكلفة من قبل منسق الشؤون الإنسانية بتنسيق الإجراءات المتعلقة بالألغام داخل غزة، حيث وضعت عمليات لدعم تحديد أولويات مهام الإجراءات المتعلقة بالألغام لدعم الأهداف والمبادرات الإنسانية، بجانب إنشاء أدوات لتبادل المعلومات لضمان قدرة الجهات الفاعلة في المجال الإنساني على إدخال البيانات والوصول إلى منصات التنسيق المشتركة لدعم تخطيط استجابتها.
كما أكد أنه على الرغم من أن خبراء أونماس يقيمون المناطق التي يُشتبه في وجود مخاطر فيها للتأكد مما إذا كانت هذه المناطق آمنة للاستخدام في العمل الإنساني، إلا أنه لا يمكن لشركاء الإجراءات المتعلقة بالألغام في ظل الظروف الحالية التخلص من أي عناصر من الذخائر المتفجرة أو تدميرها، حيث تركز تدابير التخفيف الأساسية على التوعية بالمخاطر ووضع علامات على المناطق لإبلاغ المدنيين بالتهديدات المحتملة، حيث لدى العديد من الوكالات موارد منتشرة لدعم التوعية بالمخاطر مثل اليونيسف والمنظمات غير الحكومية المحلية، كما أن الجهات الفاعلة الأخرى في مجال الإجراءات المتعلقة بالألغام في وضع يسمح لها بتنفيذ عمليات تقييم الذخائر المتفجرة والتخلص منها بمجرد أن تسمح الظروف الأمنية والأذونات بذلك.
وأوضح أن الإجراءات المتعلقة بالألغام هي عامل تمكين أساسي لجميع عمليات إعادة الإعمار والتعافي، سيكون العمل مكلفا ويستغرق وقتا طويلا وسيتطلب خبرة ومعدات لضمان إدارة الحطام وإزالة الأنقاض بأمان والاستجابة لنداءات الأشخاص الذين يجدون ذخائر عند عودتهم إلى ديارهم والبحث عن متعلقاتهم، متابعا :"من المستحيل تقدير الوقت الذي ستستغرقه إزالة الذخائر المتفجرة، حيث لا توجد بيانات مسح لإعطاء فكرة عن حجم وطبيعة التلوث، ولا نعرف نطاق ميزانية إعادة الإعمار وجوهر أولويات وخطط التعافي".
منظمات أممية والهلال الأحمر تمارس أنشطة توعوية
خلال حديث رئيس قسم إدارة ودعم البرامج في دائرة الأمم المتحدة للإجراءات المتعلقة بالألغام، تطرق إلى الدور التوعوي الذي تؤديه مؤسسات أممية لتحذير المواطنين من الاقتراب من مخلفات الحروب وتوضيح مخاطرها والتعامل الآمن معها، ومن بينها وكالة اليونيسف، وهو ما يؤكده كاظم أبو خلف، المتحدث باسم المنظمة الأممية، أن المنظمة تنفذ في الواقع خلال تلك الفترة أنشطة تعليم تنصب حول رفع توعية الأطفال بخصوص المواد غير المنفجرة والتحذير من الاقتراب منها .
حجم مخلفات الحروب في غزة
ويضيف المتحدث باسم منظمة اليونيسف، في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن المنظمة تمارس العديد من الأنشطة التي تدعم أطفال غزة منذ بداية العدوان الإسرائيلي، من بينها أنشطة تعليمية، ويتخلل جزء من تلك الأنشطة رفع الوعي لدى أطفال القطاع حول الطريقة الآمنة للتعامل مع الأجسام المشبوهة والتحذير من اللعب بها ومخاطرها على صحتهم، مشيرا إلى أن الوكالة لا تشارك في عملية إزالة المخلفات لأن هذه مهمة دائرة الأمم المتحدة للإجراءات المتعلقة بالألغام UNMAS.
نفس الأمر يؤكده، رائد النمس المتحدث باسم جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، الذي يشير في تصريح لـ"اليوم السابع"، أن الجمعية لديها فريق متطوعين للتوعية فقط من مخاطر المخلفات الحربية ونشر الوعي والتحذير من الاقتراب أو التعامل مع تلك الأجسام والقنابل غير المنفجرة المنشرة في القطاع.
فيما توضح إيناس حمدان، مديرة الإعلام بوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، أن الوكالة تنظم في الوقت الراهن جلسات دعم نفسي للأسر الفلسطينية النازحة، تتضمن وعي بالطرق الآمنة للتعامل مع القنابل غير المنفجرة المنتشرة في مدن القطاع.
وبشأن تفاصيل الدعم النفسي الذي تقدمه وكالة الأونروا للفلسطينيين، تؤكد "حمدان"، في تصريحات لـ"اليوم السابع"، أن الوكالة الأممية تواصل تقديم خدمات الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي في المناطق الوسطى وخان يونس من خلال فرق من الأطباء النفسيين والمشرفين لمساعدة الحالات الخاصة المحولة من المراكز الصحية ومراكز الإيواء، وتتضمن الاستشارات الفردية وجلسات التوعية والدعم لحالات العنف المبني على النوع الاجتماعي.
نص منشورات التوعية لتجنب مخلفات الحرب
أحد رسائل التوعية، يكشف عنها الصحفى أشرف سحويل، الذي يعيش في بلدية غزة، حيث يؤكد أن مخلفات الحروب تنتشر في مناطق الاقتحام في رفح وخان يونس جنوب القطاع ومدن الشمال، بجانب ما يسمى المنطقة الآمنة وسط غزة، مشيرا إلى أن الصواريخ والقنابل غير المنفجرة تتواجد بكثرة في منازل النازحين التي تركوها، خاصة ما تبقى من مباني في شمال القطاع التي شن الاحتلال عملية عسكرية موسعة فيها لتنفيذ ما يسمى "خطة الجنرالات".
حملات توعية أممية حول مخاطر مخلفات الحرب في غزة
وأرسل أشرف سحويل، لنا نسخة من التحذيرات ورسائل التوعية التي وصلت لعدد من المواطنين في القطاع، حيث تم نشر صورة لجسم مشبوه منتشر بشكل كبير في منازل الفلسطينيين، وتضمن المنشور التحذير عدم دخول النازحين منازلهم إلا بعد التأكد من أنها غير مفخخة أو ينتشر فيها هذا الجسم .
كما تضمن المنشور أيضا الذي يحمل شكل الجسم المشبوه، والذي نعرض صورته في التحقيق، أن هذا الجسم موجود بكثرة في المنازل والشوارع المدمرة، مطالبا بضرورة عدم العبث والاقتراب منه، وضرورة أخذ التعليمات المتعلقة بمخلفات الحرب على محمل الجد وعدم الاستهتار وتوعية الأطفال بتلك التعليمات من بينها عدم الاقتراب أو لمس الأجسام المشبوهة – تحت قاعدة كل شي لم يقع منك فهو ليس لك -، وعلى ولي الأمر أن تكون عينه ناقدة لأي شي غريب مثل حفرة في الأرض أو وجود أشياء بغير أماكنها، مثلا طنجرة كانت بالمطبخ وأصبحت في غرفة النوم على السرير أو فوق الخزانة، لأن هذه مؤشرات قد تدل على تواجد مخلفات حرب غالبا ما تكون أجسام تنفجر عند تحريكها.
كما تضمن المنشور أن أي فتحة في الحائط أو السقف دليل على دخول جسم متفجر داخل المنزل فقد يكون انفجر أو غير منفجر، بجانب عدم لمس أو اللعب في بقايا الأجسام المنفجرة، لأن بعض الأجسام تكون متعددة الانفجار أو تحتوي على مواد سامة، وعدم المشي على أكوام الردم والركام لأنه قد يتواجد أجسام منفجرة ولا ترى بوضوح أو تشبه في شكلها لون الردم والحجارة.
واحتوى المنشور، الشوارع التي يجب على النازحين المرور من خلالها للعودة لمنازلهم لتجنب أي اقتراب من مخلفات الحرب، من خلال التأكيد على أن عودة النازحين عبر شارعي صلاح الدين والرشيد الذي سيكون مخصص للمشاة فقط دون المركبات، بينما الأجهزة الشرطية ستمنع عبور المركبات لأنه سيعرض حياة الناس للخطر، وكذلك العودة عبر شارع الرشيد ستكون متاحة في كلا الاتجاهين على مدار الساعة للمشاة فقط، بينما شارع صلاح الدين سيكون للمركبات وبآلية تفتيش دون عودة المشاة، والعودة عبر شارع صلاح الدين ستكون باتجاه واحد من الجنوب إلى الشمال ولن يسمح بعودة المشاة منه في المرحلة الأولى.
عمليات البحث الأممية عن مخلفات الحروب في غزة
وبشأن أسباب منع سير المركبات عبر شارع الرشيد، يقول أشرف سحويل لـ"اليوم السابع"، إن سبب عدم سريان المركبات لأنه طريق البحر ولا يوجد ألية لتفتيش المركبات، بينما شارع صلاح الدين توجد إليه للتفتيش من خلال الأشعة.
كما حصلنا على منشور لتوجيهات نقابة الصحفيين الفلسطينيين إلى الجماعة الصحفية بغزة في 21 يناير الماضي، لتجنب المتفجرات والقنابل غير المتفجرة بعد وقف إطلاق النار، تضمن أهمية التحضير المسبق للتوجه إلى المناطق التي خضعت للتواجد العسكري من قبل قوات الاحتلال والحذر الشديد من مخاطر إطلاق الرصاص من قبل الجنود والتعرف المسبق على المناطق المحددة في اتفاق الهدنة، والحذر من المتفجرات والصواريخ والقذائف التي لم تنفجر أو العبوات الناسفة.
واحتوت التوجيهات أيضا على ضرورة التحرك الجماعي بحذر من قبل طواقم الصحفية والتأكد من المناطق الآمنة وعدم الانجرار خلف تدافع المواطنين إلى أماكن سكناهم، وأهمية وضع شارة الصحافة على المركبات وارتداء الزي الصحفي اثناء التحرك، والابتعاد عن اية تجمعات أو جماعات مسلحة في الميدان، واستخدام الزووم في التقاط الصور، والتأكد من إمكانية الاتصال والتواصل عبر شبكات الاتصال والمعرفة المسبق للمناطق التي تغطيها شبكات الاتصال، وأهمية التروي وعدم الإسراع لدخول المناطق التي كانت تشهد اشتباكات مسلحة ، وأخذ الحيطة والحذر الشديد من الانهيارات المفاجئة في المباني المقصوفة أو الطرقات.
فرق أممية للبحث عن مخلفات الحروب في غزة
وفي بيان صادر عن وزارة الأشغال العامة الفلسطينية، في 23 يناير الماضي، عبر صفحتها الرسمية على "فيسبوك"، قالت إنه بتوجيهات من رئيس الوزراء الفلسطيني الدكتور محمد مصطفى، وبإشراف الوزارة، باشرت الحكومة الفلسطينية، بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وبرنامج مساعدة الشعب الفلسطيني، والهيئة العربية الدولية للإعمار في فلسطين (AIOCP)، برنامج حصر الأضرار في قطاع غزة.
وأضافت الوزارة، أنه من المقرر تشغيل 700 مهندس ضمن هذا البرنامج، لضمان تغطية شاملة ودقيقة للأضرار، لتكون أساسا لصياغة تدخلات الحكومة وتحركاتها في الشروع بمراحل التعافي المبكر، والإنعاش، وإعادة الإعمار لقطاع غز، حيث يأتي هذا التحرك ضمن خطة الأشغال العامة وبالتعاون مع هيئة الصناديق العربية والإسلامية بتدخلاتها المتمثلة بعملية حصر الأضرار وإزالة الركام والإيواء المؤقت، وصولا إلى إعادة الإعمار، بالاستناد إلى خطة الحكومة الفلسطينية الشاملة لكافة القطاعات.
وقال وزير الأشغال العامة والإسكان الفلسطيني المهندس عاهد بسيسو، إن عملية تنسيق إزالة الركام هي من مسؤوليات الوزارة، ونعمل بالتنسيق مع جميع المنظمات والهيئات على إزالة الركام، وحيث بدأنا بالعمل مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي على مشروع إعادة فتح الطرق ومعالجة الركام وتدويره.
وأشار إلى أن الخطوة القادمة تتمثل في إزالة الركام من 150 مبنى عاما من مدارس ومستشفيات ومساجد وتنفيذ مشروع صغير لفتح الطرق، كاشفا أن الوزارة أنجزت دراسة كاملة حول واقع قطاع غزة، حيث فرغت بيانات 250 ألف استمارة لأهالي القطاع حول الأضرار وحصرها، وشكلت فريق عمل لمتابعة الملف في المحافظات الشمالية والجنوبية.
يأتي هذا في الوقت الذي عاد فيه مئات الآلاف من سكان غزة للشمال، وهو ما أكده المكتب الإعلامي الحكومي في 29 يناير الماضي، بأنه عاد أكثر من نصف مليون نازحٍ من الشعب الفلسطيني خلال الـ72 ساعة الماضية من محافظات الجنوب والوسطى إلى محافظات غزة والشمال، عبر شارعي الرشيد وصلاح الدين، وذلك بعد 471 يومًا من تهجيرهم منذ بدء حرب الإبادة الجماعية التي ارتكبها جيش الاحتلال في القطاع.
أكثر من 800 ألف طن من المواد المختلطة بمادة الأسبستوس في القطاع بسبب الحرب
منذ شهور بدأت لجنة حصر الأضرار في قطاع غزة في تدقيق المعلومات بشأن حجم النفايات الخطرة وكذلك إعداد دراسة حول طرق التخلص من مخلفات الحرب والهدم التي خلفها العدوان الإسرائيلي، حيث يؤكد المهندس بهجت جبارين، رئيس لجنة حصر الأضرار على غزة، ومدير الرقابة والتفتيش في سلطة البيئة الفلسطينية، أن اللجنة انتهت بالفعل من حصر الأضرار بشكل تقديري وليس بشكل دقيق لعدم وجود طواقم عاملة في القطاع خلال فترة الحرب ولم تتمكن من الحركة لذلك تم الاعتماد على تقارير المؤسسات الدولية والبلديات والمؤسسات العاملة في غزة.
ويضيف رئيس لجنة حصر الأضرار على غزة، في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن اللجنة أعدت تقريرا أوليا للحرب من خلال الصور الجوية، كما أن لجنة الإعمار التابعة لوزارة الأشغال العامة قدمت خطة للحكومة الفلسطينية من أجل إعادة الإعمار سواء فيما يتعلق بالبنية التحتية والطرق والإغاثة وإغاثة اللاجئين وإعادة التسكين لحين بناء قطاع غزة من جديد وتقديم الخدمات التي لها علاقة بالأغذية والعلاج .
"الخطة مرحلية لمدة ثلاث أشهر تم إعدادها من خلال برنامج الأمم المتحدة للبيئة "اليونيب" مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي "UNDP"، وعرضها على سلطة البيئة، وتستهدف إجراء دراسات وتقديرات وآليات وكل ما له علاقة بإزالة الردم والهدم في غزة"، هنا يشرح بهجت جبارين تفاصيل الخطة الموضوع للخلص من النفايات ومخلفات الحرب، لافتا إلى أنه يوجد أكثر من 45 مليون طن من مخلفات الردم والتي تختلط بجثث الشهداء والمواضع الخطيرة والمتفجرات والقنابل غير المنفجرة، بينهم أكثر من 800 ألف طن من المواد المختلطة بمادة الأسبستوس، وهو ما يتطلب تحديد التكاليف المالية لعملية الإزالة بشكل كامل وإعادة التدوير وحسابات دقيقة للتكلفة المالية، خاصة أن عملية إزالة الهدم والمواد الخطرة تستغرق من 15 سنة لـ20 سنة لتتم بشكل كامل.
ويوضح أن الخطة لتقييم إزالة المخلفات بشكل كامل وستنفذ من خلال عطاءات وشركات دولية خلال مرحلة الثلاث أشهر، مؤكدا أنه من خلال هذه المرحلة سيتم التعامل مع الجوانب الأخلاقية للجثث الموجودة وإزالتها وتحديد أماكنها بالإضافة إلى موضوع المتفجرات والألغام غير المنفجرة وتحديد المواد الخطيرة واعتماد الصور الجوية بالإضافة إلى تجميع البيانات والمعلومات عن الأراضي وتقسيماتها ومخططات إعادة استخدام الأراضي .
كما يؤكد "جبارين"، أن الخطة شمولية لكل ما له علاقة بالمخلفات الهدم وما له علاقة بالمكونات الموجودة سواء جثث أو قنابل أو مواد خطيرة، خاصة أن الموضوع له جوانب أخلاقية ودينية وفنية وإدارية ومالية، موضحا أن الموازنة المرصودة من قبل برنامج الأمم المتحدة للبيئة من أجل مرحلة مؤقتة لعمل الدراسات الكاملة والشاملة والدقيقة لألية تحديد أماكن الجثث وعملية دفنها والتعامل مع الجثث حسب الأصول الدينية والأخلاقية وإزالة المتفجرات والألغام وكل ما له علاقة بالماد الخطيرة وتحديد العمليات التي لها علاقة بإعادة استخدام مخلفات الهدم سواء في عملية البنية التحتية أو استخدامها كأرصفة أو استخدامها لرصف الطرق بعد فصل كل المواد الخطيرة بالإضافة لتحديد أماكن التجميع ودفن المواد الخطيرة.
Trending Plus