خالد دومة يكتب: شكسبير.. وقراءة النفوس

خالد دومة
خالد دومة

ضراوة الشك

إن القلق والشك يلتهم قوى الإنسان، ويبدد طاقته، ويجعل منه فريسة للأوهام والخيالات، وتتآكل الطمانينة من قلبه، فيثور على كل شيء، دون وعي، ويأخذ الحابل بالنابل، والحق بالباطل، وينخر كالسوس في جدران اللحم والدم، ذلك الشعور الذي يقصم الظهر، ويشطر الرأس نصفين، ويسير في الدم يعبث بأركان الجسد، عبر تيار متدفق، يعبث كما يشاء، ألم لا يطاق من ألم النفوس، جرح في الشعور، وشرخ في النفس، وهيهات أن يلتئم بسهولة، إنما هو ينحر بسكين باردة في اللحوم، هو ألم لا يوصف، تتنازع الرأس قوى جبارة في ضربات لا تنتهي ولا تتوقف، تنغص عليك حياتك، وتمرر عليك عيشتك، ولا تترك ساعة من نهار، حتى تعود بقوة، تنتهك وتصول في باحت خيالك، لترسم لك صورة من عذاب الجحيم، وأنت تتقلب في دركاته لحظة بلحظة، وكلما حكمت عقلك الثائر في هدأت منه، ما تلبث أن تعود الثورة أشد، والنفور طغيان يجتاح كل زاوية من زوايا نفسك، تحاول النسيان فيطيعك في كل شيء، إلا أمر هذا الشك اللعين، الذي يقتات على جسدك المنهك، في لحظة ما توشك أن تؤمن بأنك على عتبات الجنون، وإنه هو المنقذ الوحيد لبقاء جسدك على قيد الحياة ولكن بلا روح.


ليس هناك حب ألا والغيرة أحد أركانه، وهي الباعث على استمراره ونجاحه، فطالما هناك غيرة، فهناك قلب يشعر، ويحس تجاهك شعور رفيع، يجعل للحياة معنى، ولكن الغيرة أيضا قد تهدم المعبد القدسي على رؤس قاطنيه، فتمحو أثره وتنهار معه السنوات، التي كانت في ظله فردوسا ولواعج وسهر وأرق، فمتى تكون الغيرة آمنة للعلاقة بين المحبين، بحيث لا تضر وإنما هي تدعم وتزكي ..الحب ليس صفقة بين اثنين في عذاب القلب وتكدير الحياة، إن الغيرة، شدتها وعدمها سواء، قد يطيح بأرفع المشاعر الإنسانية، وهي الحب، لماذا يغار الرجل؟ وهل تغار المرأة، وكيف يتصرف كل منهما إذاء هذه المشاعر، هل الغيرة هي أثر للحب عند الرجل، هل هي دليل لعاطفة مشبوبة في قلبه، تأمر وتنهي، وتسلك به طرق وشعاب، ربما كانت نهايتها قاع جحيم يودي بالجميع.


ففي قراءة شكسبير زاد كبير للفكر والنفس، فهي تجارب حية، لنفوس متعددة مختلفة الألوان والأشكال والمشارب، تتراوح بين الغني والفقير، الملك والصعلوق، الرجل والمرأة الشيخ والشاب وكلها بينها وبين اختلافها الكثير في الطبائع والأهواء، وهي تعبر أصدق تعبير عن نفسها، وتكشف لنا عما يدور في داخلها وخارجها وتصرح لنا بما ينتابها من اتفاق واختلاف، ففي كل شخصية وعلى أطراف لسانها تستعرض وتخبرنا عن أدق تفاصيل ما يشعر به الإنسان ....ففي مسرحية عطيل سلاسة في التعبير، عما يدور بين الشخصيات وما يعتريها، واستعراض قضابا مهمة على ألسنة الأبطال، حيث الحب والحقد والغيرة العمياء، فبين عطيل وديدمونة حب جارف، وثقة لا حد لها، فقلوبهم أشربت الحب واستغرقها الهوى، فلم تترك مكان فيها لغير الهوى وسهام العشق، تعصي أباها وتخرج عن طوعه انتصارا لقلبها، ومن أختاره، إن الحب في قلبها عقيدة، يجب نصرتها، حتى ولو كان على أقرب الأقربين لها، فله الولاء الأول ولا عيب في ذلك، فهو قلبها تهبه لمن يشاء، ولا تستطيع قوة على الأرض أن تفرضها عليها شيء، يخالف حكمه وهواه، وما أختاره وكان هو مقدر لتلك التضحية الثمينة، التي من أجله باعت كل شيء من أجله وارضائها لقلبها وحبها، وشربا من كئوس الحب المترعة، حتى ثملا وهام بها وهامت به، وحين تنبت في القلب بذرة الشك، فهي الوبال العظيم، الذي يزعز العقيدة الراسخة، ويعكر صفو الماء الجاري، وينغص على المرء حياته، ويبدد هناءه، وكان الداهية ياجو هو من غرس تلك البذرة في قلبه الصافي، ليحيله إلى ظلمة عمياء، يتخبط فيها، دفع ياجو الحقد على مولاه لإختيار غيره نائبه، لقيادة الجيش، فإذا هو غاضب ناقم، مدبر لكل شر، حتى أوقع عطيل في شرك الشك والغيرة، وساعدت الظروف في تدابيره ليعميه، ويظن أن الوهم حقيقة، ويسعى للإنتقام لشرفه واستغفاله، كما كان يظن، يدخل عليها ويقبلها القبلة الأخيرة، ثم يسألها أن تستغفر لنفسها ولذنبها، وتستنكر التحول في طبيعته، وما أعماه عن رؤية الحقيقة، ويكتم أنفاسها ليزيح ذلك الهم الذي أصبح كجبل راسخ على قلبه، ثم يكتشف الحقيقة المرة، ويتيقن من براءتها، وسوء نية ياجو، وما دبر له فينتحر ويقضي نحبه.

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

إخماد حريق محدود فى فيلا الفنان محمد صبحى بمدينة 6 أكتوبر

الرئيس السيسى يوجه بتعزيز الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة والإدارة الذكية للمياه

الإسماعيلى يتسلح بالتفوق فى المواجهات المباشرة أمام الطلائع في الدورى

رقم قياسي ينتظر محمد صلاح في مباراة نيوكاسل يونايتد ضد ليفربول

المنتخب يدرس استبعاد ثنائى الأهلي إمام عاشور ومروان عطية من معسكر سبتمبر


وزارة الصحة تكشف عن 7 أمراض تهدد الحياة بسبب ارتفاع درجات الحرارة.. تفاصيل

النصر ضد الأهلى.. بعثة الراقى تصل جدة بعد التتويج بالسوبر السعودي "صور"

محمد صبحى حارس الزمالك يقترب من الانضمام للمنتخب أمام أثيوبيا وبوركينا

تعرف على تشكيل الأهلي المتوقع أمام غزل المحلة غدا.. عودة الشناوى

مواعيد مباريات اليوم.. فولهام مع مانشستر يونايتد وأوفييدو ضد ريال مدريد


"أوعى الفولت العالي".. كهربا حديث صحف الكويت بعد انضمامه للقادسية

أهداف السبت.. سقوط السيتي وخماسية أرسنال وريمونتادا خيالية لبرشلونة

المتهمان بسرقة هواتف المحمول: نبيعها لتاجر عارف إنها مسروقة

ريال مدريد يخشي مفاجآت ريال أوفييدو في الجولة الثانية من الدوري الإسباني

رحيل صادم للممثل الشاب بهاء الخطيب..سقط أثناء لعبه كرة القدم وذبحة صدرية أودت بحياته.. تشييع جثمان الراحل في البدرشين ودفنه بمقابر ميت رهينة.. ونجوم الفن ينعونه ويشيدون بموهبته وأخلاقه وحبه وتشجيعه لأصدقائه

مانشستر يونايتد يبحث عن الفوز الأول أمام فولهام لتعويض كبوة أرسنال

نقيب المعلمين: البكالوريا تنهي كابوس الثانوية العامة وتؤهل الطلاب لسوق العمل

تشييع جثمان بهاء الخطيب في البدرشين ودفنه بمقابر ميت رهينة

مصطفى محمد فى مهمة صعبة مع نانت أمام ستراسبورج بالدوري الفرنسي

إعلان القائمة.. موعد مباراة بيراميدز ومودرن سبورت بالجولة الرابعة للدورى

لا يفوتك


شيرين .. عبثيات "البخت المايل"

شيرين .. عبثيات "البخت المايل" الأحد، 24 أغسطس 2025 12:00 م

المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى