رمضان زمان.. "فرن الكنافة البلدي" عبق الماضي وروح الشهر الكريم

في زوايا الأحياء الشعبية، وتحت أضواء الشهر الفضيل، لا تزال تطفو على السطح رائحة لا يمكن للزمان أن يمحوها، رائحة تنقلنا عبر أزمنة وأيام مضت، لتذكرنا بذكريات رمضان الطيبة، ومن أبرز طقوس رمضان في مصر، التي ما زالت تنبض بالحياة حتى اليوم، "فرن الكنافة البلدي" الذي يعود بنا إلى أصول الأصالة في صناعة الحلويات، في طقس تقليدي مميز.
أمام فرن طيني عتيق، تعلوه قطعة نحاسية دائرية تلتف حولها أيدٍ ماهرة، يقف الرجل الذي يواصل تقاليد صنع الكنافة البلدي، مستعدًا لإطلاق عبير رمضان في الهواء، بجانبه، قدر كبير ملئ بعجينة طرية، تتساقط منها خيوط الكنافة الذهبية، محملة بذكريات الماضي.
بكل حرفية، يطوع صانع الكنافة أنامله لتشكيل "الكوز"، ليغزل خيوط العجين التي تنزل كالنهر من فتحاته، تتسلل إلى الفرن في رحلة قصيرة، تُختتم برائحة زكية تداعب الأنفاس وتغني الشوارع بنغمات العيد.
الفرن البلدي لم يعد مجرد مكان لإعداد الكنافة، بل أصبح رمزًا لزمان قديم، لم تهزه عجلة التطور، فقد عرفت صناعة الكنافة تطورًا ملحوظًا، من الفرن الذي كان يُشعل بالحطب إلى استخدام أنابيب الغاز، وصولًا إلى الأفران الكهربائية الحديثة، لكن هناك من يصر على أن يحافظ على روح العراقة والتقاليد، ولا يزال متمسكًا بجمال الكنافة البلدي، فحتى مع مرور الزمن، يبقى البعض من أهلنا في الأرياف والصعيد، يفضلون طعم الكنافة البلدي الذي لا يقارن.
ورغم ذلك، لا يخلو المشهد من سحر خاص، فالطفل الذي يركض ليشاهد من بعيد كيفية تشكيل الكنافة، والرائحة التي تنبعث لتملأ الأجواء بالبهجة، تجعل من هذا المشهد مناسبة تحتفل بها العائلات، إذ يربط هذا الطقس الجميل بين الأجيال، بين الماضي والحاضر، ويظل يذكرنا بأصالة رمضان في قلوبنا.
إنها ليست مجرد كنافة، بل هي طقوس تتجاوز الطعام نفسه لتروي لنا حكاية شهر رمضان منذ مئات السنين، فبجانب الأفران الحديثة، تظل روح الكنافة البلدي، المخبوزة على نار هادئة، علامة فارقة في ذاكرتنا الرمضانية، وطعم لا يُنسى في شهر الرحمة والغفران.
Trending Plus