جين هاكمان .. موت يدين الجميع

أعرف أن أعمارنا وحياتنا مقدرة، وأنه لا مجادلة في ذلك، ولا شفاعة في الأمر، لكن كل موت يحدث وكل راحل يرحل يمنحنا لحظة من التأمل لحال الدنيا ومصائرنا، بما يؤكد ضعف الإنسان وقلة حيلته، وما حدث في خبر وفاة الممثل الأمريكي جين هاكمان وزوجته جعلني أتوقف كثيرًا لأتأمل الإنسان في عصر الوحدة والعزلة.
كنت ممن يحبون جين هاكمان، وأراه فنانًا من جيل الكبار، وأقول في نفسي لو لم يكن ممثلًا لكان سياسيًّا، فهو شخص يمتاز بحضور يستمده – في رأيي - من صفات شخصية مثل الوجاهة والكرامة، هكذا تعاملت معه كلما شاهدته، لذا توقفت كثيرًا عند خبر وفاته وما تبع ذلك من تفاصيل تفيد بأنه توفى عن عمر ناهز الـ (95 عاما) كما توفيت زوجته بيتسي أراكاوا عن عمر ناهز (65 عاما)، أما هو فبسبب مرض القلب والأوعية الدموية، مع مساهمة مرض الزهايمر المتقدم في وفاته، أما زوجته فتوفيت بسبب متلازمة الرئة الفيروسية هانتا، وحتى هذه اللحظة تبدو الأمور طبيعية، لكن الخطير في المسألة برأيي هو أن الزوجة ماتت تقريبًا قبل أسبوع من "هاكمان" وأنه ظل أسبوعًا من بعدها ربما لا يعرف بموتها، وربما مات لأنه لم يحصل على علاجه، لأن أحدا لم يسأل عنه أو يهتم به، وربما مات جوعًا.
يبدو الأمر كأنه مشهد في فيلم، يصلح أن يقدمه جين هاكمان نفسه، وأتوقع أنه لو كان قدر له أن يقدمه لحصل بسببه على الأوسكار الثالثة في حياته، لكن الأمر بالطبع لم يكن تمثيلًا بل كان حقيقة لدرجة الألم، خاصة بعدما نشرت بعض الأخبار أن الممثل الكبير له ثلاثة أبناء من زوجته الأولى.
ثلاثة أبناء ولم يسأل أحد..
لقد انزعجت تماما من فكرة موته وحيدًا وأن لا أحد سأل عنه طوال هذه المدة، ربما يبدو انزعاجي وخوفي شرقيًّا بامتياز ومتأثرًا ببيئتي ونشأتي المعتمدة على التواصل مع الآخرين، لكن في رأيي أن الإنسان لا يتغير كثيرًا مهما اختلفت الثقافات وتعددت الأساليب الحياتية، فهو سيظل بحاجة ضرورية لمن يتواصل معه ويسأل عنه، ويهتم به.
إن ما حدث مع جين هاكمان- وأعرف أنه يحدث أحيانا في مجتمعاتنا الشرقية وأنه ليس حكرا على الغرب وثقافته- وجه قبيح للحداثة وغياب تام لأخلاق القرى التي نشأ فيها الإنسان الأول، وإدانة للجميع ودليل على أننا نتحرك ناحية الهاوية بثقة.
Trending Plus