عاش زاهدًا ورحل قديسًا.. الكنيسة الأرثوذكسية تحيي مسيرة البابا كيرلس فى ذكراه.. من راهب متوحد إلى بطريرك قاد بروحانية.. بنى الكاتدرائية واستعاد رفات مارمرقس.. وظل داعمًا للقضية الفلسطينية ورافضًا تهويد القدس

تستعد الكنيسة القبطية الأرثوذكسية لإحياء الذكرى السنوية لرحيل البابا كيرلس السادس، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية الـ116، الذي تنيح في 9 مارس 1971م، بعد مسيرة حافلة بالعطاء الروحي والوطني، امتدت لأكثر من 11 عامًا على كرسي البطريركية، وعُرف خلالها بلقب "رجل الصلاة"، لما تميز به من حياة الزهد والإتضاع والإحتمال.
نشأته ومسيرته الرهبانية
وُلد البابا كيرلس السادس في 2 أغسطس 1902م، باسم عازر يوسف عطا، وتوجه عام 1927 إلى دير البراموس بوادي النطرون، إذ قضى قرابة تسعة أشهر تحت الاختبار، ثم تمت رهبنته في 25 فبراير 1928 باسم الراهب مينا البراموسي. عاش في الدير نحو أربع سنوات، ثم التحق بالمدرسة اللاهوتية بحلوان لمدة عام، ليحصل على العلوم الكنسية واللاهوتية، ورُسم قسًا عام 1931 ثم قمصًا عام 1945.
تميزت حياته بالرغبة العميقة في التوحد والتفرغ للصلاة، فانعزل في مغارة قرب دير البراموس لمدة خمس سنوات (1932-1936)، حتى عُرف باسم الأب مينا المتوحد، ثم واصل حياة التوحد في طاحونة من طواحين الهواء المقامة على تلال المقطم، حيث عاش خمسة أعوام أخرى (1936-1941)، قبل أن ينتقل للخدمة في كنائس مصر القديمة. أسس عام 1947 كنيسة على اسم القديس مارمينا العجائبي، إلى جانب مسكن للطلبة المغتربين.و فى أواخر سنة 1943 م أسندت إليه رئاسة دير الأنبا صموئيل المعترف بجبل القلمون بمغاغة واستمر رئيساً للدير حتى يوليو 1950 م.
البطريركية والإنجازات الكنسية
بعد وفاة البابا يوساب الثاني الـ115 في 13 نوفمبر 1956، كان القمص مينا البراموسي المتوحد من بين المرشحين لمنصب البطريرك. وفي 17 أبريل 1959، أجريت الانتخابات التي اختارته ضمن ثلاثة مرشحين، وفي 19 أبريل 1959، أُجريت القرعة الهيكلية التي أعلنت اختياره ليصبح البابا كيرلس السادس، حيث تمت سيامته بطريركًا في 10 مايو 1959.
شهدت حبريته العديد من الإنجازات البارزة، منها:
- إعادة إحياء دير مارمينا بمريوط، حيث وضع حجر الأساس له في 27 نوفمبر 1959.
- بناء الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، التي وضع حجر أساسها الرئيس جمال عبد الناصر في 24 يوليو 1965.
- استعادة رفات القديس مرقس الرسول إلى مصر في 24 يونيو 1968.
- إعلان ظهور السيدة العذراء على قباب كنيستها بالزيتون في 2 أبريل 1968.
- إجراء الميرون المقدس في أبريل 1967.
- تأسيس أسقفيات جديدة، مثل أسقفية التعليم، أسقفية البحث العلمي، وأسقفية الخدمات العامة والاجتماعية، وأنشئت فى عهده هيئة الأوقاف القبطية ولجنة إدارة أوقاف البطريركية.
- نشر الخدمة القبطية بالخارج، حيث بدأت الكنيسة القبطية نشاطها في الكويت، لبنان، كندا، أستراليا، ولندن، وافتُتحت كنائس في نيوجيرسي وكاليفورنيا.
علاقته بالرؤساء والقضايا الوطنية
تميز البابا كيرلس السادس بعلاقة قوية بالرئيس جمال عبد الناصر، وعاصر 11 عامًا ونصف من حكمه (1959-1970)، بالإضافة إلى خمسة أشهر من بداية حكم الرئيس أنور السادات. كان له مواقف وطنية واضحة، أبرزها رفض تهويد القدس، مساندة القضية الفلسطينية، ومساندة الوطن عقب حرب 1967، مؤكدًا دائمًا على دور الكنيسة في دعم الوطن.
رحيله وإعلانه قديسًا
رحل البابا كيرلس السادس في 9 مارس 1971، ودُفن أولًا في الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، قبل أن تُنقل رفاته إلى دير مارمينا بمريوط في 23 نوفمبر 1972، وفقًا لوصيته. وفي يونيو 2013، أعلن المجمع المقدس رسميًا قداسته، ليصبح من قديسي العصر الحديث في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.
إحياء ذكراه في الكنائس والأديرة
تحيي الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ذكرى رحيل البابا كيرلس السادس يوم الأحد 9 مارس ، حيث تُقام القداسات والعظات الروحية في الكنائس والأديرة، لا سيما في دير مارمينا بمريوط حيث يرقد جسده الطاهر، ويتوافد آلاف الأقباط من مختلف المحافظات للصلاة والتبرك بسيرته العطرة، مستذكرين فضائله الروحية وإنجازاته التي لا تزال حاضرة في وجدان الكنيسة القبطية حتى اليوم.
Trending Plus