"مصر ليست وطنا نعيش فيه بل وطن يعيش فينا" الكنيسة الأرثوذكسية تحيى ذكرى رحيل البابا شنودة.. لُقّب بمعلم الأجيال تاركا إرثا روحيا وفكريا خالدا.. 40 عاما من القيادة الحكيمة والنهضة الكنسية والمواقف الوطنية

تستعد الكنيسة القبطية الأرثوذكسية لإحياء ذكرى رحيل البابا شنودة الثالث، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية الـ117، والذي تنيح في 17 مارس 2012، بعد مسيرة حافلة بالعطاء الروحي والوطني، امتدت لأكثر من 40 عامًا على رأس الكنيسة القبطية.
نشأته ومسيرته العلمية والروحية
وُلد البابا شنودة الثالث يوم 3 أغسطس 1923 بقرية سلام بمحافظة أسيوط، واسمه بالميلاد نظير جيد روفائيل، تلقى تعليمه في عدد من المحافظات، فى دمنهور والإسكندرية وأسيوط وبنها، حتى أنهى دراسته الثانوية في مدرسة الإيمان الثانوية بشبرا مصر. التحق بجامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حاليًا) وتخرج عام 1947 من كلية الآداب قسم التاريخ. كما التحق بكلية الضباط الاحتياط في نفس العام، ثم درس العلوم اللاهوتية في الكلية الإكليريكية حتى تخرج فيها عام 1949، ليبدأ مسيرته التعليمية والتكريسية داخل الكنيسة.
الرهبنة والتكريس للخدمة
اتجه نظير جيد إلى حياة الرهبنة في 18 يوليو 1954، حيث ترهبن في دير السريان بوادي النطرون باسم الراهب أنطونيوس السرياني، وعاش حياة الزهد والتأمل، حتى بدأ حياة الوحدة في فبراير 1956، ليكرس وقته للصلاة والدراسة الروحية، وفي 31 أغسطس 1958، تمت سيامته قسًا على يد الأنبا ثاؤفيلس أسقف الدير آنذاك.
في يونيو 1959، اختاره البابا كيرلس السادس ليكون سكرتيره الخاص، ثم في 30 سبتمبر 1962، تمت سيامته أسقفًا للتعليم باسم الأنبا شنودة، حيث عُرف منذ ذلك الحين بأنه معلم الأجيال، لما قدمه من دروس روحية وكتابات دينية وتعليمية أثرت الكنيسة القبطية.
تولي الباباوية وقيادة الكنيسة
بعد رحيل البابا كيرلس السادس في 9 مارس 1971، تم ترشيح الأنبا شنودة لمنصب البابا، وفي 26 أكتوبر 1971 وقع عليه الاختيار في الانتخابات البابوية، ثم أجريت القرعة الهيكلية في 31 أكتوبر، ليصبح البطريرك رقم 117 في تاريخ الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وتم تتويجه وتجليسه على الكرسي البابوي رسميًا في 14 نوفمبر 1971.
إنجازات البابا شنودة في الكنيسة والمجتمع
خلال خمسين عامًا من قيادة البابا شنودة للكنيسة، قام قداسته بعدد من الإنجازات، أبرزها:
- العمل على نهضة الكنيسة القبطية من خلال إنشاء العديد من الإيبارشيات داخل مصر وخارجها.
- توسيع الخدمة القبطية عالميًا، من خلال تأسيس إيبارشيات في أوروبا وأمريكا وأستراليا وأفريقيا، إلى جانب رسامة أول بطريرك لإريتريا عام 1998.
- تطوير المؤسسات التعليمية الكنسية، حيث أسس معهد الرعاية والتربية (1974)، ومعهد الكتاب المقدس، وأسقفية الكرازة.
- إصدار لوائح الكنيسة الحديثة، مثل لائحة المجمع المقدس (1985) ولائحة المكرسات (1991).
- إطلاق القنوات الفضائية القبطية، مثل قناة أغابي (2005)، CTV (2007)، لوجوس (2010)، ومار مرقس (2011).
- تجديد الكنائس وإنشاء المقر البابوي بمنطقة الأنبا رويس بالعباسية.
مواقفه الوطنية وعلاقته بالرؤساء
تمتع البابا شنودة الثالث بعلاقة قوية بالرؤساء المصريين، حيث عاصر الرئيس محمد أنور السادات (1970-1981م) والرئيس محمد حسني مبارك (1981-2011م)، وكان له دور بارز في دعم الوطن خلال الأزمات، حيث ساند القضية الفلسطينية ورفض تهويد القدس، كما دعم مصر خلال حرب 6 أكتوبر 1973. كما أصدرت اللجنة الدائمة للمجمع المقدس برئاسة قداسته بيانًا في 15 فبراير 2011، أكدت فيه تأييدها لثورة 25 يناير 2011، والإشادة بدور الجيش المصرى والمجلس الأعلى للقوات المسلحة وما أصدره من بيانات.
مؤلفاته وتأثيره الفكري
كان البابا شنودة كاتبًا ومفكرًا من الطراز الرفيع، حيث بلغ عدد مؤلفاته حوالي 150 كتابًا، تناولت قضايا روحية ولاهوتية وعقائدية، وتمت ترجمة العديد منها إلى لغات متعددة. كما كتب مقالات صحفية في جرائد متنوعة، إلى جانب قصائده الروحية التي أثرت التراث المسيحي.
رحيله وإرثه الروحي
تنيح البابا شنودة الثالث مساء السبت 17 مارس 2012، عن عمر 88 عامًا، بعد أن جلس على الكرسي البابوي لمدة 40 عامًا و4 أشهر و4 أيام، ليصبح سابع أطول باباوات الكنيسة القبطية من حيث مدة الجلوس على الكرسي المرقسي. ووفقًا لوصيته، دُفن جسده في مقبرة خاصة بدير الأنبا بيشوي بوادي النطرون، حيث لا يزال مزارًا روحيًا يقصده الآلاف سنويًا.
إحياء ذكراه في الكنيسة
تحيي الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ذكرى رحيل البابا شنودة الثالث يوم 17 مارس المقبل، إذ تُقام القداسات والعظات الروحية في الكنائس والأديرة، ويستذكر الأقباط مسيرته الحافلة بالعطاء، وحكمته التي قادت الكنيسة في أصعب الفترات.
يبقى البابا شنودة رمزًا خالدًا للحكمة والإيمان والتواضع وحب الوطن، وأحد أبرز الشخصيات الدينية التي أثرت في التاريخ المصري المعاصر، وكما قال في عبارته الشهيرة: "مصر ليست وطنًا نعيش فيه، بل مصر وطن يعيش فينا".
Trending Plus