حكم إجبار المدين على الاستدانة لقضاء الدين الواجب سداده.. الإفتاء تجيب

دار الإفتاء المصرية
دار الإفتاء المصرية
كتبت بتول عصام

ورد سؤال لـ دار الإفتاء المصرية، جاء مضمونة: "هناك رجلٌ عليه دَيْنٌ حَلَّ موعدُ سداده، لكنه لا يَزال مُتعسِّرًا في السداد، فهل يُجبَر على أن يستدين ثانيًا لسَدَاد الدَّيْن الأول الذي حَلَّ أجَلُه؟".

وجاء رد دار الإفتاء كالآتي:

ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة إلى أنَّه لا يُجْبَر الـمَدين على الاستدانة ثانية لسداد دَيْنه الأول، غير أنَّه إن فعل واستدان ثانيًا -من غير إلزامٍ- لسداد الدَّيْن الذي حلَّ أجله فهو أمر جائز شرعًا، بأن كان يرتقب تفريج كُربته أو قدوم مالٍ له.

قال العَلَّامة أبو الحسين القُدُوري الحنفي في "التجريد" (6/ 2886، ط. دار السلام): [لا نُسلِّمُ أن المدين يلزمه بيع ماله، وإنما يلزمه قضاء الدَّيْن، ويجوز أن يستدينَ ويستقرض ويقضي الدَّيْن] اهـ.

وقال الشيخ الدسوقي المالكي في "حاشيته على الشرح الكبير" (3/ 270، ط. دار الفكر): [(قوله أي: لا يلزمه أن يتسلف) أي: يطلب مالًا على وجه السَّلَف لأجل وفاء غرمائه، وقوله: ولا قبوله أي: من غير طلب (قوله: فيه فضلٌ) أي: زيادة على الشراء (قوله: لأنه ابتِدَاء مِلك) أي: وابتداءُ المِلكِ واستحداثه لا يلزمه] اهـ.

وقال العَلَّامة ابن قاسم العَبَّادي الشافعي في "حاشيته على الغرر البهية" (3/ 73، ط. المطبعة الميمنية): [وعبارة العراقي: الثالثةُ أَنْ يحتاج إلى الاقتراض لمنفعةٍ أو لوفاءِ ما يلزمه من دَيْنٍ أو لإصلاحِ ضِياعه، ارتقابًا لارتفاع غَلَّاته أو لحلولِ دَيْنه أو لنَفاقِ أعيان ماله؛ فيَقْتَرِض] اهـ.

وقال الإمام ابن قُدَامة الحنبلي في "المغني" (4/ 337، ط. مكتبة القاهرة) عند كلامه عن الـمُفلِس: [ولا يُجْبَر على قبول هدية، ولا صدقة، ولا وصية، ولا قرضٍ] اهـ.

والدليل على ذلك: ما ورد عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: أُصِيبَ رَجُلٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ فِي ثِمَارٍ ابْتَاعَهَا، فَكَثُرَ دَيْنُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ: «تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ» فَتَصَدَّقَ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ وَفَاءَ دَيْنِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ لِغُرَمَائِهِ: «خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ، وَلَيْسَ لَكُمْ إِلَّا ذَلِكَ» أخرجه الإمام مسلم.

ومعنى هذا: أنه إذا ثبت إفلاس الرجل فيُمهِلُه الغرماء إلى أن يحصلَ له مالٌ، فيأخُذُوه، أو يأخذوا ما وجدوه من مال تحت يده، وليس لهم إلا ذلك، وما بقي لهم من دَيْن عليه يأخذوه بعد الإنظارِ وحصولِ المال للمُفلِس، وهو معنى قوله: «وَلَيْسَ لَكُمْ إِلَّا ذَلِكَ». يُنظر: "المفاتيح في شرح المصابيح" للمُظهِري (3/ 463، ط. دار النوادر).

فليس للغرماء إجبار المدين على التكسُّب أو الاستدانة لاستيفاء ما لهم عليه من دَيْن؛ قال الإمام الرَّمْلِي في "نهاية المحتاج" (4/ 330، ط. دار الفكر) في كلامه عن المفلس بعد تقسيم ماله وقد بقي عليه دَيْن: [(وليس عليه بعد القسمة أن يكتسب أو يُؤَجِّرَ نفسه لبقية الدَّيْن) لقوله تعالى: ﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾ [البقرة: 280]، أمر بإنظاره ولم يأمر باكتسابه، وللخبر المارِّ في قصة معاذ: «وَلَيْسَ لَكُمْ إِلَّا ذَلِكَ»] اهـ.

غير أن عدم الإجبار محله حيث ثبت عذره وعجزه عن السداد، أما حيث ثبتت المماطلة مع قدرته على السداد فحينئذ يجوز للغرماء الدائنين أن يطلبوا منه سداد ما عليه من دين، فإن وفَّى فبها ونعمت، وإلا وسطوا أهل الخير والصلاح بينهم لسداد دينهم، فإن أصرَّ المدين على عدم سداد ما عليه مع قدرته على السداد جاز للدائنين رفع الأمر إلى القضاء؛ للفصل فيه، ورد الحقوق إلى أصحابها.

الخلاصة
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فعلى المقترض سداد ما عليه متى جاء موعد السداد وكان قادرًا على السداد والوفاء، فإن حلَّ أجل السداد ولم يزل المدين متعثرًا فالدائن مخيَّر بين إسقاط الدَّيْن، أو إمهاله إلى حين تيسُّر أحواله دون فرض زيادة عليه، تحرزًا من الربا، وإذا أمهله فترة للسداد فلا يلزمه الاستدانة ثانيًا لسداد دَيْنه الأول ولا يُجبر على ذلك، لكِنَّه إن فَعَل واستدان صحَّ منه ولا شيء عليه، إذا كان يرى في نفسه القدرة على السداد، وكلُّ ذلك حيث ثبت عذره وعجزه عن السداد، أما حيث ثبتت المماطلة مع قدرته على السداد فيجوز للغرماء الدائنين أن يطلبوا منه سداد ما عليه من دين، فإن وفَّى فبها ونعمت، وإلا وسطوا أهل الخير والصلاح بينهم لسداد دينهم، فإن أصرَّ المدين على عدم سداد ما عليه مع قدرته على السداد جاز للدائنين حينئذ رفع الأمر إلى القضاء؛ للفصل فيه، ورد الحقوق إلى أصحابها.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

أحمد الشناوى حارس عرين بيراميدز يحتفل بعيد ميلاده الـ"34" اليوم

وزارة التعليم: امتحانات الثانوية العامة ستكون منضبطة ومؤمنة.. وتحذر الطلاب من محاولات الغش: الرسوب مصير من يغش أو يخل بأعمال الامتحانات.. وتشدد: تفتيش الطلاب قبل دخول اللجان لمنع اصطحاب أى وسيلة غش

حدث ليلا.. تغطية شاملة لزلزال اليوم بقوة 6.4 ريختر: كان قويًا نسبيًا

ريال مدريد يستضيف مايوركا لاستعادة الانتصارات بعد صدمة الكلاسيكو

فحص طبى ينتظر رامى ربيعة ومحمد هانى فى الأهلى استعداداً لمواجهة البنك


بيراميدز ضد صن داونز.. موعد مباراة نهائى دوري أبطال أفريقيا والقناة الناقلة

بالمواعيد.. 3 مواجهات حاسمة تنتظر عمر مرموش مع مانشستر سيتي

توابع الزلزال.. هزة ارتدادية جديدة بقوة 4.26 ريختر شمال مرسى مطروح

زلزال جديد.. الشبكة القومية ترصد أول هزة ارتدادية بقوة 2.69 ريختر

تجويع سكان غزة.. الأمم المتحدة تعرب عن قلقها إزاء التقارير الدولية بالتجويع المتعمد لسكان غزة.. وتحذر من خطر المجاعة.. وتشيد بالجهود المصرية لإنهاء معاناتهم.. وجوتيريش: القطاع الصحى على المحك


احذر.. 10 مخالفات مرورية تعرضك للحبس أو الغرامة وفقًا للقانون

عودة الاشتباكات المسلحة بين الميليشيات فى العاصمة الليبية طرابلس

بيان عاجل خلال دقائق.. معهد الفلك يكشف تفاصيل زلزال القاهرة

عاجل.. زلزال يضرب القاهرة وعددا من المحافظات

وفاة جورج وسوف شائعة وحالته الصحية بخير ويستعد لجولته الغنائية فى أوروبا

9 معلومات عن محاكمة نجل محمد رمضان الخميس لاتهامه بضرب زميله داخل نادى

حر نار.. تحذير عاجل من الأرصاد عن حالة الطقس اليوم الأربعاء 14 مايو 2025

على طريقة كريستيانو رونالدو.. مصطفى شلبى يعاتب نفسه بعد مباراة بيراميدز

فى بيان حاسم.. الأوقاف: امتهان حرمة المساجد جريمة ومخالفة شرعية

الحرارة ترتفع لـ 44 درجة.. تغيرات مفاجأة فى حالة الطقس اعتبارا من الجمعة

لا يفوتك


مواعيد حجز قطارات عيد الأضحى 2025

مواعيد حجز قطارات عيد الأضحى 2025 الثلاثاء، 13 مايو 2025 09:25 م

المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى