الإرهاب والذكاء الاصطناعى.. كتاب جديد يكشف الظاهرة ويوضح خطرها

يتناول مركز المسبار للدراسات والبحوث فى كتابه "الإرهاب والذكاء الاصطناعى.. الأدوات والمواجهات والمستقبل" الطرق التى توظّف فيها التنظيمات الإرهابية الذكاء الاصطناعى فى حملاتها الأيديولوجية والفكرية وتجنيد الأتباع، فيحدد آليات هذا التوظيف ومخاطره الراهنة والمستقبلية على أمن الدول واستقرار المجتمعات التى أصبحت التكنولوجيا الرقمية دعامة أساسية فى مواكبتها للعصر، ويطرح طرق مكافحة هذا التوظيف من الجهات الحكومية والرسمية والمجتمع المدنى.
فاتحة دراسات الكتاب قدمها الباحث المصرى محمود الطباخ، بحثت التوظيف المزدوج للذكاء الاصطناعى التوليدى، الذى أتاح للإرهابيين آليات جديدة لتعظيم تأثيرهم، مستفيدين من تقنياتهم التقليدية فى التشفير والتخفى، فقد أظهرت تحليلات مبادرة "التكنولوجيا ضد الإرهاب (Tech Against Terrorism)" أن التنظيمات المتطرفة استخدمت أدوات الذكاء الاصطناعى لإنتاج أكثر من (5000) مادة دعائية، تنوعت بين صور ورسوم متحركة وأناشيد تحريضية.
إلى جانب ذلك، استُخدم الذكاء الاصطناعى فى شن هجمات إلكترونية أكثر تعقيدًا، كان أبرزها حملة "مدفع الخلافة"، التى نفذ داعش عبرها هجمات حجب الخدمة الموزعة (DDoS) لاستهداف بنى تحتية حيوية.
ومع تطور التعلم الآلي، أصبح من الممكن أتمتة هذه الهجمات، مما يرفع مستوى التهديدات السيبرانية.
وبالتوازي، استغلت الجماعات الإرهابية المركبات ذاتية القيادة (Autonomous Vehicles) كأداة محتملة فى الهجمات، خصوصًا بعد النجاحات التى حققتها باستخدام السيارات المفخخة التقليدية، كما فى اعتداء برلين عام 2016 وبرشلونة عام 2017، ما يفتح الباب أمام سيناريوهات أكثر تطورًا مع انتشار المركبات الذكية.
أنشأ الإرهابيون منصات إخبارية زائفة، حيث أطلقت "ولاية خراسان" حملة تضليل إعلامى عبر التزييف العميق، وأنشأت داعش أناشيد جهادوية؛ عبر الذكاء الاصطناعى تستهدف تجنيد عناصر جديدة، وتظهر فى تطبيقات حاشدة بالمراهقين، فأصبح بالإمكان توليد صور ورسوم متحركة عالية الجودة بلمح البصر، دون الحاجة إلى مصممين محترفين أو وقت طويل للمعالجة.
استُهدف التجنيد بآلياتٍ متطورة، حيث نشرت مجموعات تابعة للقاعدة فى فبراير 2024 كتابًا إلكترونيًا بعنوان "طرق مذهلة لاستخدام روبوتات الدردشة القائمة على الذكاء الاصطناعي"، كدليلٍ عملى لاستغلال هذه التقنية فى التأثير على المتعاطفين واستقطابهم. وتمكن متطرفون من اختراق نموذج «لاما" (LLaMa) الخاص بشركة ميتا، ما سمح لهم بتطوير روبوتات دردشة متخصصة فى نشر الأفكار المتطرفة، حيث ظهرت شخصيات ذكاء اصطناعى مثل "ترينيتي" (Trinity) ، التى روجت لخطابات الكراهية والتمييز العنصرى بأساليب متقنة.

لا يزال السباق بين الجماعات الإرهابية والجهات الأمنية فى مجال الذكاء الاصطناعى مفتوحًا، حيث تستفيد التنظيمات المتطرفة من كل تطور تقني، وتحاول باستمرار التكيف مع آليات المكافحة، يكمن التحدى الرئيس يكمن فى القدرة على استباق استراتيجيات الإرهاب الرقمي، ومنع التنظيمات من استغلال التقنيات الحديثة لصالحها، فى هذا السياق، لا يمكن الاكتفاء بالحلول التقليدية؛ إذ بات لزامًا على الجهات المعنية تعزيز قدراتها فى مجال الذكاء الاصطناعى، وتطوير أدوات أكثر تطورًا لكشف وردع النشاطات المتطرفة قبل أن تتحول إلى تهديدات فعلية.
حدّد الباحثون فى "المعهد الأميركى لمكافحة الإرهاب والقدرة على مواجهته" (American Counterterrorism Targeting and Resilience Institute) أرديان شايكوفسى (Ardian Shajkovci) ومايكل فانديلون (Michael Vandelune) وأليسون ماكدويل سميث (Allison McDowell-Smith) السُّبل والشبكات الخاصة الافتراضية التى اعتمد عليها داعش- وتنظيمات إرهابية أخرى- للتهرّب من المراقبة وإخفاء أنشطتها على الإنترنت، ولاحظوا تزايد استخدامهم الذكاء الاصطناعى والتقنيات الأكثر تقدّمًا فى الدعاية والتخطيط للعمليات والتجنيد، فقد تمكنت هذه التنظيمات من تطوير استراتيجيات استهداف متقدّمة، وتحليل كميات ضخمة من البيانات فى زمن وقوع الأحداث، وأتمتة (Automate) بعض المهام.
أما أستاذ القانون ومكافحة الإرهاب فى جامعة سوانسى (Swansea University) فى المملكة المتحدة، ستيوارت ماكدونالد (Stuart Macdonald)، فقد ركز على الذكاء الاصطناعى ومراقبة المحتوى الإرهابى على الإنترنت، فقدم فى دراسته لمحة عامّة عن مختلف أنواع أدوات مراقبة المحتوى الآلية المستخدمة فى رصد المحتوى الإرهابى فى العالم الافتراضي، خصوصًا المستخدم بتقنية الذكاء الاصطناعى.
اعتمد الباحث على نهجين: الأول قائم على المطابقة، والثانى على التصنيف، قبل الانتقال إلى الكشف القائم على السلوك. ملاحظًا أن هذه الأنواع من الأدوات لا يستبعد بعضها بعضًا، ويمكن استخدامها -غالبًا- معًا فى نهج متعدّد الطبقات. وخلص إلى محورية التدخّل البشري؛ إذ تقتضى النهُج القائمة على المطابقة جهدًا مستمرًا لتحديد بنود المحتوى الإرهابي، وإضافتها إلى قاعدة بيانات البصمات. أما النهُج القائمة على التصنيف، فإنها فى حاجة إلى جمع مجموعة كبيرة من البيانات وتنظيفها ووسمها؛ لتدريب خوارزميات التعلّم الآلي. كما أن معظم أدوات التصنيف تستخدم للإشارة إلى البنود ليراجعها البشر؛ لأن المراقبين البشر أقدر على إصدار أحكام سياقية وتقييم الاختلافات الدقيقة والنيّات، والنظر فى العوامل الاجتماعية والثقافية والتاريخية والسياسية. كما أن عمليات الاستئناف مطلوبة -كما عندما تحدّد الأدوات الآلية نتائج إيجابية كاذبة- وثمة حاجة إلى مراقبين بشر للنظر فى هذه الاستئنافات. وخلص إلى أن الذكاء الاصطناعى ضرورة، ولكنه غير كافٍ فى السعى لمكافحة المحتوى الإرهابى على الإنترنت.
وتطرقت الباحثة المصريَّة سلمى صقر إلى توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعى التوليدى من قبل التنظيمات الإرهابية واليمين المتطرف، والسبل الأساسية فى مكافحتهما. ومع تأكيدها حجم التهديدات الأمنية غير التقليدية المرتبطة بالتطورات التكنولوجية المتسارعة، واستغلالها من قبل الإرهابيين الإسلامويين والمتطرفين اليمينيين، خصوصًا فى مجال التمويل؛ حيث تم رقمنة التبرعات؛ ورقمنة أنشطة جمع التبرعات؛ التى غدت تجمع أضعاف ما كانت تجمعه التبرعات التقليدية، إذ يستخدم المؤثرون المتطرفون منصات مختلفة عبر الإنترنت؛ لطلب المشتريات والتبرعات من متابعيهم. وتُعد العملات المشفرة نظام دفع مثاليًّا لهم، إضافة إلى منصات التجارة الإلكترونية.
واستكمالاً للدراسات المختصة فى مكافحة الإرهاب والتطرف الإلكترونى، حدد الباحث والأكاديمى حكيم غريب أهم التقنيات والأدوار التى يمكن للذكاء الاصطناعى القيام بها للحد من العمليات الإرهابية، من بينها: مكافحة الأفكار المتطرفة، وتوقع الهجمات الإرهابية المحتملة، والمساهمة فى التعرف على وجه الإرهابيّين، وبصمة المخ؛ أو تقنية مـسح الموجـات الدماغية، واستشعار تحليلى لمراقبة وتحليل الحشود.
كشف الكتاب استغلال التنظيمات الإسلاموية النصوص الدينية فى بناء الأيديولوجية الإرهابية من خلال تطبيقات ومنصات رقمية مختلفة، ولمواجهة هذا الإرهاب الرقمى وسبل صناعته، سعى الباحث مصطفى قطب إلى معرفة كيفية استثمار الخوارزميات فى خدمة العلوم الشرعية، بالتركيز على المحاور الآتية: معالجة اللغة الطبيعية فى النصوص الإسلامية؛ الفتوى وتعلم الآلة؛ استثمار الخوارزميات فى خدمة التفسير؛ الترجمة الآلية والنصوص الإسلامية؛ وضوابط تطبيق الخوارزميات على الدراسات الإسلامية.
أما الباحثة لياندرا روبير، والباحث عماد نعيم، فقد درسا دور الذكاء الاصطناعى فى الفن والأدب وسُبل الإفادة من تقنياته لمواجهة الإرهاب، وبناء سرديات مضادة للعنف.
مثلًا، أحدث برنامج «ديب دريم» (DeepDream)، الذى يحوّل الصور إلى أشكال سريالية، ثورةً، فى الرسم بينما استخدم ريفيك أنادول (Refik Anadol) البيانات الضخمة فى منحوتات رقمية، وطوّرت صوفيا كريسبو (Sofia Crespo) مشروع «نيرال زو» (Neural Zoo)، الذى يولّد كائنات هجينة من بيانات الطبيعة. عربيًا، ظهرت مشاريع مثل «Araby.ai»، التى تدمج الفن الرقمى بالثقافة العربية، وبرامج إعادة إحياء الخط العربي.
بدأ الذكاء الاصطناعى تأثيره على الأدب حينما طوّر فريق يابانى عام 2016 رواية "اليوم الذى يكتب فيه الكمبيوتر رواية"، التى بلغت التصفيات النهائية فى مسابقةٍ أدبية! فى المسار العربى ألف محمد أحمد فؤاد رواية "حيوات الكائن الأخير" بمساعدة الذكاء الاصطناعى فى أقل من (23) ساعة، مما أثار جدلًا واسعًا حول مستقبل الكتابة. وفى السينما، كُتِب سيناريو فيلم "صن سبرينج" (Sunspring) عام 2016 بالكامل بواسطة الذكاء الاصطناعي، لكن الذكاء الاصطناعى ظل أداة مساعدة لا بديلًا عن الإبداع البشرى فى توجيه الممثلين وصياغة الرؤية السينمائية.
أثار الذكاء الاصطناعى تحديات قانونية، حيث رفضت محكمة أميركية تسجيل حقوق الطبع والنشر لعمل فنى أنجزه نظام ذكاء اصطناعي، مؤكدة أن الإبداع البشرى شرط أساسى للحماية القانونية. يظل التساؤل مفتوحًا حول من يملك الحقوق الفكرية: مبرمج النظام أم المستخدم أم الشركة المطوّرة؟
وفى سبيل إثراء المحور درس الباحث المصرى علاء الحمد استخدام الأدب المصنوع بتقنيات الذكاء الاصطناعى فى مكافحة الإرهاب، ملاحظًا أن التنظيمات الإرهابية تستغل الرواية والأدب فى هذا الحقل الافتراضى لنقل أفكارها المتطرفة، وفى المقابل يمكن للروائيين فعل العكس، من خلال تضمين أعمالهم أفكارًا مناهضة للإرهاب.
أما الأكاديمى والباحث، أحمد عبدالمجيد فتناول مستقبل الصحافة فى ظل التحديات التى يفرضها الذكاء الاصطناعي، فأبرز أهم وجهات النظر من قبل الخبراء فى علوم الحاسوب والتقنيات الرقمية حول الاتجاهات التى سوف تتخذها الصحافة؛ لمواكبة هذا التطور بين اتجاه متفائل وآخر متشائم، وعرض السيناريوهات المستقبلية لــ«صحافة الذكاء الاصطناعي» (Artificial Intelligence Journalism) حيث حددها بثلاثة: سيناريو الإبداع؛ وسيناريو الثبات؛ والسيناريو التشاؤمي.
فى الختام، يتوجه مركز المسبار للدراسات والبحوث بالشكر للباحثين المشاركين فى الكتاب والعاملين على خروجه للنور، ونأمل أنْ يسد ثغرة فى المكتبة العربية.
Trending Plus