ظاهرة سلبية تؤثر على العمل وتعرقل التطور.. المحسوبية والمحاباة

الدكتورة هويدا عزت
الدكتورة هويدا عزت
بقلم الدكتورة هويدا عزت

هل سبق وشعرت بأنك لا تُحظى بتقدير كافٍ في عملك، أو ترقيتك سُرقت منك لأن شخصًا 'يعرف المدير' حصل عليها؟ أنت لست وحدك، تُعد المحسوبية والمحاباة من الظواهر السلبية التي تؤثر بشكل كبير على بيئة العمل وتعرقل تطور الموظفين، مما يؤدي إلى تدني الروح المعنوية والإنتاجية في المنظمات.

تُعرّف المحسوبية بأنها تفضيل غير عادل لبعض الأفراد على حساب الآخرين، استنادًا إلى العلاقات الشخصية أو الانتماءات الاجتماعية، بدلاً من اعتماد معايير الكفاءة والمهنية، أما المحاباة، فتتمثل في منح الأفضلية لشخص على آخر فقط بسبب علاقة شخصية، كالصداقة أو القرابة، دون النظر إلى الجدارة أو الاستحقاق. 

وتكمن صعوبة هذه الممارسات في كونها تتم غالبًا خلف الأبواب المُغلقة، مما يجعل رصدها ومُعالجتها أكثر تعقيدًا، بالإضافة إلى ما يعانيه الموظفون الذين يُعاملون بشكل غير عادل من انخفاض الرضا الوظيفي، وتناقص الدافعية، وشعور محدود بالنمو الوظيفي. عندما يشهد الأفراد مكافأة الآخرين بناءً على العلاقات الشخصية بدلاً من الجدارة، يمكن أن يقلل ذلك من حماسهم وتفانيهم في عملهم.

علاوة على ذلك، يمكن لهذه الممارسات أن تولد الاستياء بين القوى العاملة، مما يؤدي إلى انخفاض العمل الجماعي والروح المعنوية. عندما يشعر الموظفون بأن عملهم الجاد وقدراتهم لا يتم تقديرها، يمكن أن يخلق ذلك بيئة عمل سامة تعاني فيها روح التعاون والتآزر.

وقد دعمت هذه الملاحظات العملية نتائج الدراسات الحديثة التي تناولت آثار المحسوبية والمحاباة في بيئات العمل المختلفة، حيث أكدت الدراسات العلمية أن المحسوبية تُعد من أبرز الأمراض الإدارية التي تؤثر سلبًا على بيئة العمل، وفقًا لدراسات علمية، نشرت في "Academy of Management Journal" أن وجود المحسوبية في مكان العمل يؤدي إلى انخفاض الروح المعنوية بنسبة 30% بين الموظفين، وزيادة المشاعر السلبية مثل الإحباط وعدم الرغبة في العمل الجماعي.

كما أكدت دراسة أخرى نشرتها "Harvard Business Review" أن الموظفين الذين يعانون من تفضيل زملائهم بناءً على الروابط الشخصية دون اعتبار للكفاءة، يشعرون بالإقصاء ويقلل هذا من مستوى التعاون ويعزز الشعور بالظلم، هذا التوزيع غير العادل للفرص يُساهم في تراجع الإنتاجية وتدهور الأداء التنظيمي.

ولا يقتصر الضرر الناجم عن هذه الممارسات غير العادلة على معنويات الموظفين وإنتاجيتهم الفردية، بل يمتد ليطال المنظمة بأكملها، فعندما تُتخذ القرارات بناءً على العلاقات بدلاً من الكفاءة، تفقد المنظمة قدرتها على جذب أفضل المواهب والاحتفاظ بها، حيث يبحث الموظفون المتميزون عن بيئات تُقدر جهودهم وتمنحهم فرصًا عادلة للنمو.

كما أن هذه الممارسات تُضعف الابتكار، لأن الأفكار الجديدة والمقترحات القيمة قد تُهمل إذا لم تأت من الأشخاص "المُفضلين"، وعلى المدى الطويل، يمكن أن تؤدي المحسوبية إلى تدهور سمعة المنظمة وضعف ثقة العملاء والشركاء، مما يؤثر سلبًا على قدرتها التنافسية واستدامتها في السوق.

وللتعامل مع المحسوبية والمحاباة في مكان العمل، هناك مجموعة من الأمور الهامة التي يجب القيام بها، ومنها اعرف حقوقك؛ من الضروري أن تكون ملمًّا بحقوقك وواجباتك داخل بيئة العمل، وتأكد من أن فرصك في الترقية مبنية على كفاءتك وجهودك، لا على علاقاتك الشخصية، التركيز على الإنجاز الشخصي، فمن خلال الحفاظ على مستوى عالٍ من الأداء، فأداؤك المتميز يتحدث عنك ويُظهر جديتك وكفاءتك.

ومن خلال التركيز على أهدافك الشخصية وغاياتك المهنية، يمكنك أن تخلق شعورًا قويًا بالهدف والمعنى في عملك، وهو ما يساعدك على التغلب على الممارسات غير العادلة التي قد تواجهها، هذه العقلية تمنحك القوة للارتقاء فوق التحديات، وتحفيزك على الاستمرار في السعي نحو التميز والنجاح بغض النظر عن العقبات المحيطة بك.

قد يكون طلب الدعم من الموارد البشرية أو الإدارة خُطوة صعبة، ولكنه أمر بالغ الأهمية لمعالجة القضايا النظامية، من خلال لفت انتباه أصحاب السلطة إلى مخاوفك، فإنك تدافع ليس فقط عن نفسك ولكن عن القوى العاملة بأكملها.

إذا وجدت أن المحسوبية والمحاباة مستمرتان على الرغم من بذل قصارى جهدك، فقد يكون من المفيد استكشاف الفرص خارج مكان عملك الحالي، ابحث عن المنظمات التي تعطي الأولوية للجدارة ولديها قيم أخلاقية قوية. في بعض الأحيان، يمكن أن توفر البداية الجديدة في بيئة جديدة فرص النمو والتقدم التي تستحقها.

ومن ناحية أخرى، القيادة تتحمل دورًا محوريًا في مكافحة المحسوبية والمحاباة، حيث أن القادة هم من يحددون معايير النجاح والتقدير داخل المؤسسات، عندما تلتزم الإدارة بمبادئ العدالة والشفافية والجدارة، وتطبقها بشكل صارم في قرارات التعيين والترقية والمكافآت، فإنها تُساهم في ترسيخ ثقافة عمل قائمة على الاستحقاق.

ولتحقيق ذلك، يجب وضع سياسات تقييم أداء واضحة وموضوعية، وتطبيق آليات رقابية فعالة؛ لضمان الالتزام بتلك السياسات، كما ينبغي العمل على بناء ثقافة تنظيمية ترتكز على الاحترام المتبادل والثقة، والتقدير الحقيقي للجهود، حيث يُعد ذلك الخط الدفاعي الأول ضد انتشار هذه الظواهر السلبية.

وفي الختام، يمكن أن يكون التعامل مع المحسوبية والمحاباة في مكان العمل أمرًا صعبًا، ولكنه ليس مستحيلًا، إن وجود معايير واضحة وموضوعية وقابلة للقياس، ومعروفة لجميع الموظفين، يساعد في الحد من القرارات القائمة على العلاقات الشخصية.

كما أن توفير قنوات آمنة للموظفين للإبلاغ عن مخاوفهم أو شكواهم المُتعلقة بالمحاباة، دون خوف من الانتقام، يعد أمرًا ضروريًا لكشف هذه الممارسات ومعالجتها قبل تفاقمها.

وقد أكدت تجارب واقعية أن التصدي للمحاباة ممكن متى ما وُجدت الإرادة المؤسسية، فعلى سبيل المثال، أطلقت شركة زين للاتصالات في السعودية برنامجًا داخليًا لتقييم الأداء يرتكز على الجدارة، مع قنوات سرية للإبلاغ عن المحاباة، مما أدى إلى تحسّن الثقة داخل بيئة العمل وحصول الشركة على جوائز تتعلق بجودة المُناخ الوظيفي.

كما تبنت شركة جنرال إلكتريك نهجًا مماثلًا بإعادة هيكلة نظم التقييم والقيادة، ونجحت في تقليص نسب الاستقالات وزيادة الإنتاجية، مما يدل على أن المؤسسات التي تُعلي من معايير العدالة، تستطيع خلق بيئة صحية تُكرَّم فيها الكفاءة ويزدهر فيها الأداء.

العدالة في بيئة العمل ليست شعارًا تنظيميًا يُرفع، بل أساس لا غنى عنه لاستدامة النجاح وازدهار المواهب؛ فلنعمل جميعًا على ترسيخ ثقافة تنظيمية عادلة تُنصف الكفاءة، وتُحفز الإبداع، وتُقدر الجهود، لأن في ذلك ضمانًا لنمو الأفراد وازدهار المؤسسات على حد سواء.

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

رحيل المذيع عاطف كامل بعد مسيرة حافلة فى ماسبيرو

ليفربول يتحدى نيوكاسل يونايتد فى قمة الجولة الثانية بالدوري الإنجليزي الليلة.. إنجاز أسطوري ينتظر محمد صلاح ضد "الماكبايس".. سجل حافل يدعم الفرعون المصري أمام بطل كأس الرابطة.. واستقبال عدائي ينتظر الريدز

أم أطفال دلجا: ضرتى أحضرت لنا بطيخة عليها اسم بنتها وكنت متوقعة إنها بتعمل أسحار

أحمد العجوز يعود لدكة الإسماعيلى أمام غزل المحلة بعد انتهاء الإيقاف

98 مباراة جمعت الأهلي وغزل المحلة قبل مواجهة اليوم.. تفوق أحمر


ماذا قدم الأهلي وغزل المحلة فى الدوري قبل لقاء الليلة بالدوري؟

آخر تطورات موقف الكينى أوشينج مع الزمالك

ماذا يفعل الأهلي مع صافرة أمين عمر قبل مواجهة غزل المحلة اليوم؟

الإسماعيلى يستعيد جهود عبد الله جمال أمام غزل المحلة بعد انتهاء الإيقاف

نيوكاسل ضد ليفربول.. 18 مساهمة تهديفية تدعم محمد صلاح بموقعة البريميرليج


الطلائع يستعيد جهود حسام السويسي أمام البنك الأهلى بعد انتهاء الإيقاف

الأهلي فى مواجهة قوية أمام غزل المحلة فى الدوري اليوم.. 98 مباراة جمعت الفريقين.. الصخرة ودروجبا بطلا العميل المزدوج.. إمام عاشور نجم المواجهة الأخيرة.. والشناوى وزيزو وبن شرقى وشريف فى التشكيل المتوقع للأحمر

مجلس الوزراء: خطوات جادة لتطوير منظومة التعليم وفقًا لمتطلبات سوق العمل ورؤية مصر 2030.. مصر تتقدم 70 مركزًا في مؤشر التعليم التقني والتدريب المهني لتصل إلى المركز 43.. وبدء الدراسة في 12 جامعة تكنولوجية حكومية

غزل المحلة ضد الأهلي .. موعد المباراة والقناة الناقلة والصفقات الجديدة

أكثر اللاعبين تحقيقا للانتصارات فى عالم كرة القدم.. رونالدو يهزم ميسي

إنتر ميلان يتسلح بسجل مثالى قبل افتتاح مشواره بالدوري الإيطالي ضد تورينو

العالم هذا الصباح.. شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي على مناطقة متفرقة من غزة.. فرنسا تستدعي سفير واشنطن إثر مزاعم مرتبطة بمعاداة السامية.. الشرطة الأمريكية تطوق جامعة ساوث كارولينا لوجود مسلح بداخل الحرم الجامعي

المجاعة تفتك بأطفال غزة.. يونيسف: الأطفال يموتون من الجوع والمرض ولا يستطيعون البكاء.. فاو: تفاقم الوضع الإنسانى بعد تدمير الأراضي الزراعية وثروات القطاع.. والصحة العالمية: العالم يشاهد الوفيات المأساوية

نيوكاسل يونايتد يواجه ليفربول في مواجهة نارية بالدوري الإنجليزي

رحيل المخرج المسرحى عمرو سامى.. تعرف على أسباب الوفاة

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى