جان بول سارتر.. تعرف على مسرح أول من رفض جائزة نوبل

تمر، اليوم 15 أبريل، الذكرى الخامسة والأربعون لرحيل الفيلسوف والكاتب الفرنسى الشهير جان بول سارتر (1980)، أحد أبرز وجوه الفكر فى القرن العشرين، وأشهر من تبنّى الفلسفة الوجودية وكرّس حياته للدفاع عنها من خلال الأدب والمسرح والفكر السياسى، فهو رجلٌ مثّل بكتاباته وحياته قلق العصر الحديث، وتجسيدًا لصراع الإنسان مع الحرية والاختيار والمصير.
ولد سارتر في بيئة برجوازية متواضعة، نشأ في كنف عائلة مثقفة، وفقد والده وهو في سن مبكرة، لكن التأثير العميق لجده صاحب الشخصية القوية، والمكتبة المنزلية الثرية، شكّلا وعيه المبكر وحدّدا ملامح مسيرته الفكرية، وقد تركت طفولته المليئة بالقراءة والعزلة الاجتماعية أثرًا كبيرًا على طريقته في فهم الإنسان والعالم من حوله.
سارتر لم يكن مجرد مفكر، بل كان حالة فكرية كاملة، فقد رفض الجوائز الرسمية والمناصب، وكان أول من رفض جائزة نوبل للآداب عام 1964، مؤكدًا تمسكه بموقفه المبدئي الرافض للتكريمات الرسمية، وهو ما وصفته اللجنة المنظمة للجائزة بأنه حدث نادر في تاريخ نوبل.
برغم أن المسرح لم يكن ميدانه الأول، فإن مسرحياته حفلت بأسئلة وجودية وفلسفية عميقة، تدور أغلبها حول الورطة الوجودية والبحث عن المعنى والحرية، كما في "الذباب"، و"اللا مخرج"، و"المنتصرون"، حيث تنكشف أمام المتلقي معاناة الإنسان فى مواجهة عالم تقليدى يحاصره بالتقاليد والعقائد والنُظم.
وتدور معظم مسرحيات "سارتر" حول الجهد الذى يبذله المرء ليختار حياته وأسلوبها وفقا لرغبته ويصف الصراع الناتج من القوى التقليدية التى تدفع الإنسان وتواجهه بمأزق يحاول القضاء عليه ـ كان إدراك الحرية ووعيها هو الخطوة الأولى فى الأخلاقية السارترية، كما أن استخدامه لهذه الحرية يجب أن يؤدى إلى الخطوة الثانية وهى الالتزام، فلقد عالجت مسرحيات سارتر الطاقة التى يجب أن يبذلها الانسان للخروج من المأزق وهو ما يفعله البعض خلال العزل الذى يفرضه فيروس كورونا المستجد لتجاوز تلك الأيام العبثية.
في قلب فلسفة سارتر تكمن فكرة الحرية كجوهر للوجود الإنساني، فالإنسان – كما يراه – ليس شيئًا مكتملًا، بل مشروعًا يتشكل من خلال خياراته وأفعاله، وكلما أدرك حريته وتحمّل مسئوليتها، اكتسب قيمته وفرادته.
إلى جانب مشروعه الفكرى، كان لسارتر مواقف سياسية جريئة، منها دعمه لحق الجزائر في الاستقلال، ورفضه لسياسات بلاده الاستعمارية، ولم يكن يرى في السلام مجرد غياب للحرب، بل "السلام هو الحرية"، كما كان يحب أن يقول.
اليوم، وبعد أكثر من أربعة عقود على رحيله، لا يزال تأثير سارتر حيًّا في الفلسفة، والأدب، والنقد، والسياسة، كصوت حرّ واجه المأزق الإنساني بشجاعة، وسعى إلى أن يمنح الإنسان وعيه الكامل بحريته ومسئوليته في عالم مضطرب ومتغير.
Trending Plus