أول متحف للآثار الإسلامية في العالم!

كان عصر الخديوي عباس حلمي الثاني (1892 - 1914م) عصراً عظيماً مشرقاً بانجازات غير مسبوقة.. ففي عهده نهضت الحياة في مصر وأصبحت تضارع البلاد المتقدمة.. ففي عام 1898م تم استكمال خط السكك الحديدية إلى أسوان لتصبح مصر أول بلد إفريقى وثاني دولة بعد الهند تقوم بإنشاء خطوط سكك حديدية، وفي العام التالي 1899م، تم وضع الحجر التأسيسي لأول متحف للآثار الإسلامية في العالم وكان يسمى في ذلك الوقت "دار الآثار العربية، على الرغم من أن فكرة إنشاء متحف للآثار الإسلامية كانت قد بدأت في عهد إسماعيل باشا في عام 1881م، حينما أصدر الأمر الخديوى العالي بتشكيل لجنة حفظ الآثار العربية، والتي تكونت من صفوة المثقفين والشخصيات البارزة في المجتمع في ذلك الوقت.
وبدأت اللجنة أعمالها في جمع وصيانة الآثار الإسلامية وحفظها في الرواق الشرقي لجامع الحاكم بأمر الله حتى أكتظ الرواق بالآثار المعروضة به وتم الاستحواذ على صحن الجامع كذلك.. ليكون جامع الحاكم بأمر الله بالقرب من باب الفتوح هو أول جامع يتحول إلى متحف للآثار قبل إنشاء متحف الفن الإسلامي بباب الخلق في 1899م، كما سبق وذكرت.
ونقرأ على اللوح التأسيسي للمبنى النص الآتى: "في عهد الخديوى عباس حلمي الثاني وضع أساس الكتبخانة الخديوية ودار الآثار العربية 1317هـ .. وعلى ذلك ومنذ البداية كان تأسيس المبنى بهدف إن يضم كل من الكتبخانة الخديوية والتي تحول اسمها إلى "دار الكتب المصرية" فيما بعد وتشغل الطابق الثاني من المبنى، ودار الآثار العربية والتي تحولت إلى متحف الفن الإسلامي فيما بعد وتشغل الطابق الأرضي، أما بدروم المبنى فاستعمل كمخازن لكلا الهيئتين..
استمرت أعمال الإنشاء لمدة ثلاث سنوات حيث انتهت في 1902م، لتبدأ مرحلة نقل الآثار وإعداد المبنى للزيارة، الأمر الذي استغرق عاماً كاملاً ليفتتح أول متحف للفن والآثار الإسلامية في ديسمبر 1903م في ليلة ثقافية مبهرة دعى إليها صفوة المجتمع المصرى وسفراء وقناصل الدول الأجنبية وعائلاتهم ليشهدوا إضافة شعلة ثقافية جديدة إلى الحضارة المصرية.
كان تصميم مبنى المتحف على يد المهندس المعمارى الإيطالي الشهير ألفونسو ما نيسكالو، والذي كان مغرماً بطابع العمارة العربية والإسلامية؛ لذلك جاء تصميم المتحف على الطراز المملوكي الغني بزخارفه وواجهاته الرائعة، وقد ضمه الخديوى عباس حلمى الثاني إلى لجنة حفظ الآثار العربية ومنحه البكاوية اعترافاً بجهوده المخلصة في تصميم وتشييد المتحف.
كان عام 1903م نقطة تحول حقيقية في دراسة فنون وآثار العصور الإسلامية.. وأصبح متحف الفن الإسلامي مدرسة فريدة تخرج فيها علماء وباحثون لهم إسهاماتهم المشهودة في دراسات الفن والآثار الإسلامية، كما بدأت تتوافد الهدايا بمجرد افتتاح المتحف تتوافد إليه من كل بقاع الأرض من آثار وفنون إسلامية مختلفة حتى وصلت آثار المتحف إلى أكثر من مائة ألف قطعة أثرية من خشب ونسيج وحجر وجص وخزف وحديد ونحاس وذهب وزجاج ومواد أخرى، وتكدست أروقة الطابق الأول من المتحف بالآثار التي لا يوجد لها مثيل في أي بلد آخر.
ولم يتوقف المتحف عن تأدية رسالته سواء التعليمية أو الترفيهية، بل ظل يعطى الكثير من الخبرات والدراسات القيمة التي تخرج منه في كل مجالات الدراسات الأثرية، كما ظلت مجموعات أثرية تنضم إلى آثار المتحف إما عن طريق الإهداء أو الحفائر في المواقع الإسلامية، والتي يأتي على رأسها مدينة الفسطاط أول عاصمة إسلامية في مصر وإفريقيا بعد أن فتح عمرو بن العاص مصر في 641م.
ومن أشهر كنوز متحف الفن الإسلامي بالقاهرة كنز زينب خاتون الذي يضم 3611 ديناراً ذهبياً عثر عليها في جرتين من الفخار أسفل عتب بيت زينب خاتون في سنة 1989م أثناء القيام بأعمال الترميم للبيت، كذلك كنز درب القزازين بحى السيدة زينب، وهو عبارة عن 701 دينار ذهبي عثر عليها في أطلال أحد البيوت القديمة بدرب القزازين.
ولكن في عام 2003م تم اتخاذ قرار جريء بإغلاق متحف الفن الإسلامي لكي يتم ترميمه وتطويره بصورة شاملة لأول مرة بعد أن مضى على بناءه مائة عام ووصل إلى حالة لا يمكن السكوت عليه.. فقد تدهورت عمارة المتحف بشكل كبير نتيجة الضغط عليه من جهتين هما دار الكتب والوثائق، والمتحف كذلك. ولا أكون مغالياً إذا قلت أن ترميم وتطوير متحف الفن الإسلامي هو ملحمة عمل وحب وإخلاص لهذا البلد وتراثه الحضارى لابد وأن يعرفها شبابنا..
Trending Plus