"التاريخ الذكوري لدُرّة" – تفكيك بنية القهر الذكوري في رواية منى خليل

حسين عبد البصير
حسين عبد البصير
دكتور حسين عبد البصير

رواية "التاريخ الذكوري لدرة" للكاتبة منى خليل عمل أدبي متمرد على النسق الذكوري الذي يُحكم قبضته على المجتمعات العربية، خصوصًا حين يتسلل إلى البنية العائلية فيُعيد إنتاج القمع الأبوي تحت ستار الأخوّة، والسلطة، والحماية الزائفة. الكاتبة تطرح بأسلوب سردي جريء ومتماسك حكاية "درة"، الفتاة الجامعية التي تدرس علم الآثار، وتعاني عزلة قسرية ناتجة عن استبداد شقيقها "مروان"، الذي أطلقت عليه ساخرًا لقب "أبو حطب"، في تلميح واضح إلى الجمود والتحجر العقلي.

شخصية درة بين التاريخ والمستقبل

درة ليست مجرد طالبة آثار، بل هي رمز للمرأة الباحثة عن جذورها، ووعْيها، وهويتها المنهوبة. ارتباطها بالتاريخ الفرعوني لا يأتي مصادفة، بل يعكس محاولة لاسترجاع زمن كانت فيه المرأة المصرية، كما في عهد حتشبسوت أو تي أو نفرتيتي، فاعلة ومؤثرة في المشهد السياسي والديني والاجتماعي. اختيار الكاتبة لهذا التخصص بالذات يُسقط بمهارة أوجه الشبه بين قهر الماضي والحاضر، ويجعل من درة سفيرة لكل امرأة حُوصرت بين جدران الذكورة المتسلطة.

أبو حطب – قناع القهر الذكوري المعاصر

مروان/أبو حطب هو التجسيد النموذجي للرجال الذين يرون في النساء كائنات ناقصة، لا تستحق الميراث أو حرية الاختيار. يتعامل مع أخته كأنها أملاكه الخاصة، يمنعها من التواصل مع العالم، ويصادر ميراثها. سلوكه هو تكرار مُمِل ومؤلم لتاريخ طويل من الهيمنة الذكورية التي تسلب النساء ليس فقط المال، بل الحق في أن يكون لهن صوت وهوية.

التمثال واللعنة – استعارة أدبية وموقف سياسي

إدخال التمثال المنحوس للأميرة "آمن رع" في النص ليس مجرد عنصر خيالي أو أسطوري، بل هو استعارة قوية لروح المرأة القديمة التي كانت قوية ومهيبة، والتي حين يُعاد استحضارها، تُحدث شرخًا في بنية القهر الراسخة. حين يضرب مروان التمثال، يضرب بذلك رمزًا للقوة الأنثوية، لكن هذا الفعل يُطلق لعنة كامنة تقلب عليه حياته، فيتحول هو نفسه إلى امرأة.

تحول مروان إلى امرأة في نهاية الرواية هو ذروة رمزية بامتياز. فهو لا يأتي من باب العقوبة الغرائبية فقط، بل يحمل رسالة مزدوجة: أن من يرفض أن يعترف بإنسانية المرأة سيضطر إلى عيش تجربتها، وعندها فقط قد يفهم. هذا التحول ليس فقط جسديًا، بل وجوديًا وفكريًا، ويكشف هشاشة السلطة الذكورية حين توضع في موضع الآخر.

الفيلا والذاكرة النسوية

الفيلا التي بناها مروان على أنقاض جمعية نسوية خيرية، تتحول إلى فضاء ميتافيزيقي تتجسد فيه أرواح التاريخ النسائي المنسي والمقموع. هدى شعراوي، قوت القلوب الدمرداشية، وغيرهن، يظهرن كمرايا للذاكرة المسحوقة، وكأصوات تُطالب بالاستعادة والتصحيح.

الرسائل السياسية والاجتماعية

الرواية في جوهرها دعوة قوية لإعادة النظر في منظومة القيم التي تكرّس التمييز على أساس النوع. منى خليل لا تكتب رواية فحسب، بل تقدم مرافعة أدبية ضد التاريخ الذكوري الذي سحق نساء كثيرات. إنها تضع القارئ – وخاصة القارئ الرجل – أمام مرآة ذات أبعاد متعددة: مرآة الوعي، والظلم، والكبرياء الزائف.

أسلوب الكاتبة

اللغة في الرواية سلسة لكنها لاذعة، تسير ما بين السرد الواقعي والرمزية، بين الفكاهة السوداء والتراجيديا الإنسانية. كما أن اختيار الكاتبة للتمثال واللعنة والتاريخ يعطي النص أبعادًا أسطورية، ويمنحه طاقة رمزية تفتح المجال لتفسيرات متعددة.


"التاريخ الذكوري لدرة" ليست رواية عابرة، بل عمل أدبي يقف في طليعة الروايات النسوية الجديدة في الأدب العربي. هي نصّ شجاع، غاضب، ومؤلم، يُحاكم قسوة الذكور، ويُحيي ذاكرة النساء. الرواية تقول بوضوح: من لا يعترف بوجود المرأة، سيتحول في نهاية الأمر إلى ما ينكره – أو إلى ظلٍ له، مُلاحقًا بلعناته.

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

عبد الهادى القصبى يوضح أهم ملامح تعديلات قوانين انتخابات مجلسى النواب والشيوخ

أول جلسة لمعارضة نجل محمد رمضان على حكم إيداعه فى دار رعاية 19 يونيو

خلال محادثات أوكرانيا وروسيا.. بوتين لترامب: نحب ميلانيا أكثر منك

عمر مرموش يعادل هالاند ويتفوق على نجوم الدوري الإنجليزي برقم مميز

محامى نجل محمد رمضان يتقدم بمعارضة على حكم إيداعه فى دار رعاية


مشوار بيراميدز في دوري أبطال أفريقيا قبل خوض النهائي أمام صن داونز

محمد صلاح في تشكيل الموسم بدوريات أوروبا

قيمة ذهب نوال الدجوى المسروق بالجنيه المصرى

لو عاوز تحجز شقة بمشروع سكن لكل المصريين 7 لمتوسطى الدخل.. اعرف التفاصيل

ضد التهديد الفضائى وتستغرق 3 سنوات.. ماذا قال ترامب عن القبة الذهبية؟


أول تعليق لـ مها الصغير بعد إعلان السقا طلاقهما: واصبر حتى يحكم الله

كراسة شروط حجز سكن لكل المصريين 7 لمتوسطى الدخل

منتخب الشباب ينتظر تحديد موعد معسكره المقبل للمشاركة فى دورة دولية بالقاهرة

آخر موعد لحجز قطارات عيد الأضحى 2025 اليومية.. تفاصيل

جائزة بوشكاش تنتظره.. هدف عمر مرموش في بورنموث حديث العالم

تفاصيل رحلة بيراميدز من القاهرة إلى جنوب أفريقيا لخوض نهائي دوري الأبطال

برشلونة يستعد للإعلان عن تجديد عقد هانز فليك اليوم

أحمد السقا يعلن انفصاله عن زوجته مها الصغير بعد 26 سنة زواج

تامر حسنى يدعم المواهب ويقدم لجمهوره ألوانا مختلفة من الغناء

البنك الأهلي يغلق صفحة كأس عاصمة مصر استعداداً للمصري في الدوري

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى