خالد دومة يكتب: سوء تفاهم لألبير كامي

عودة الابن الضال بعد رحلة، وسياحة في بلاد غريبة بعيدة، خروجه منذ عشرين سنة، من بيته مهاجرا، رحيله الذي ظل عشرين عاما عاش في بلاد يغمرها الشمس، وتلتهم الأشياء، وتسطع حتى تأكل كل شيء، إنها الأمنية التي تسعى إليها أخته السفر إلى تلك البلاد، أن تهجر بلادها التي تحرم من الشمس، يأكلها الضباب والغيم والسقيع والبرودة، التي تسحق المشاعر وتجعل من الإنسان ألة لا تحس بدفء الحياة، انتظار ذلك اليوم الموعود على أمل كبير في أن يتحقق ذات يوم يأتي المسافر الغائب، بعد أن علم بموت أبيه ليأخذ أمه وأخته، فلابد أنهم بحاجة إليه، هو الابن الذي كون ثروة، ونال من السعادة ما نال، المال والحب، لم يكشف لهم عن شخصه، فقد أراد أن يراهم من الخارج، أن يطلع على حياتهم على معيشتهم كيف يحيون داخل الفندق؟ تحدث إلى أمه، ولكنها لم تتعرف عليه، عشرين عام تنسي الإنسان الكثير، حتى تجعل الأباء ينسون أبنائهم، يبدو عليهم الانهاك تماما، الشظف ليس في المعيشة فقط وإنما أيضا في أعماق نفوسهم المضطربة، يستأجر حجرة، وتدور بين الابن والأم والأخت أحاديث تعكس واقع حياة كل منهم، فالأم العجوز التي سئمت من تلك الحياة، وما تقوى على ما كانت تفعله من قبل، رغبتها في الراحة، التي لا تنالها، والابنة التي تطلع إلى عالم غير العالم، والابن الحائر في أمرهما، فقد تغيرت الأشياء، إن البيت الذي تركه، لم يكن هو البيت، كل شيء تغير فيه، الأثاث، الأم التي انهكتها السنوات، والفتاة التي كانت طفلة صغيرة، تلعب في ركن البيت عند خروجه، وهي الأن الفتاة التي يملأها الحنق و الضيق، والتي ضلت شفتاها طريق الإبتسامة، إنه لم يكن مساء يجمع ما فرقته الأيام الطوال، إنه لم يكن الأحتفال بوليمة الابن الضال، إنه مساء حزين، كريه مساء مقبض خانق، كانت الحقيقة التي شعرها متأخرا، بعد أن شرب الشاي الذي وضعت فيه الأخت المنوم، قرر الرحيل لكن كانت الوقت قد تأخر، وثقل رأسه وغاب عن الوعي في نوم عميق، وحملته يدين كان من المفترض أن تكون هما أرق يدين عليه، ليحملاه إلى النهر، ويلقياه فيه، وبعد أن عرفا الحقيقة، وتكششفت الأمور بظهور هويته، كانت الحقيقة المرة المأساة، التي قضت على كل حياة في نفس أمه العجوز، التي قتلت ولدها بيدها وحملته لتلقي به في قاع النهر.
Trending Plus