استبعاد فيروز.. ملاحظات على اختيارات لجان الترشيح لجوائز الدولة

قبل نحو 66 عامًا، وتحديدًا في عام 1959، رشّحت اللجنة الموسيقية العليا كوكب الشرق السيدة أم كلثوم لجائزة الدولة التقديرية – وهي أرفع الجوائز المصرية آنذاك قبل تدشين جائزة النيل بنحو نصف قرن. ذكرت اللجنة في حيثيات ترشيحها أن أم كلثوم قدمت أعمالًا فنية ممتازة من حيث التوجيه الفني والأداء الذي انفردت به، مما أضفى عليها قوة في التعبير والابتكار، وجعل من أدائها لونًا من التأليف البالغ التأثير.
لكن، وعلى الرغم من كل تلك الأسباب، يبدو أن ما قدمته سيدة الغناء العربي حتى ذلك التاريخ لم يكن كافيًا لإقناع لجنة ضمّت مجموعة من المثقفين المصريين، على رأسهم الراحل الدكتور حسين فوزي، بمنحها الجائزة.
نعم، رفضت اللجنة الخاصة التي كانت تراجع الترشيحات داخل "المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية" – بالمجلس الأعلى للثقافة حاليا – منح السيدة أم كلثوم، صاحبة الصوت الذهبي والأثر الفني الخالد، جائزة الدولة. واليوم، وبعد 66 عامًا، تتكرر القصة، حيث تغاضت اللجنة – وإن كانت بأشخاص مختلفين – عن ترشيح جارة القمر السيدة فيروز لجائزة النيل للمبدعين العرب، ولا تزال الأسباب غير معلومة، ولا الدوافع التي منعت هذا الترشيح المفترض.
لكن بقراءة سريعة في الأسباب التي أدّت إلى استبعاد كوكب الشرق في الماضي، قبل تدخل الزعيم الراحل جمال عبد الناصر لمنحها الجائزة، يمكننا أن نتلمّس الأسباب نفسها التي أدت إلى استبعاد فيروز، ومن قبلها فنان بحجم الممثل القدير يحيى الفخراني، وكذلك غياب أسماء عمالقة آخرين، مثل فؤاد المهندس، وعادل إمام، وأحمد زكي عن قائمة الفائزين بجائزة الدولة.
اللجنة التي رفضت منح أم كلثوم الجائزة حينها، برّرت ذلك بأنها "مؤدية" وليست "مؤلفة"، متجاهلة بذلك كل التعريفات والقيم الفنية والإسهامات الجوهرية التي قدمتها. اختزلت اللجنة سيدة الغناء العربي في مجرد "صوت" يؤدي كلمات مبدعين من شعراء وملحنين، متناسية أنها خلقت من هذا الأداء شكلًا فنيًا فريدًا فتح آفاقًا جديدة للفن العربي، وحين مُنحت الجائزة بعد تسع سنوات، وتحديدًا عام 1968، تم تبرير منحها بالجوانب السياسية والثقافية، على اعتبار أنها قدمت أعمالًا تخدم الوطن، وليس لأنها أضافت للفن العربي وللقيم الموسيقية الشرقية أبعادًا جمالية جديدة.
ربما وجدت اللجنة الخاصة بترشيح جائزة النيل للمبدعين العرب في الأسباب القديمة مبررًا لعدم ترشيح السيدة فيروز، وربما لم تضم اللجنة موسيقيين من الأساس، أو ربما لا يحب بعض أعضائها الغناء أصلًا! لكن المؤكد أنهم لم يقدّروا صوت ولا إبداع السيدة فيروز، ولا تاريخها العميق المليء بالعطاء، الذي لا يزال يلامس قلوب الأجيال حتى يومنا هذا.
Trending Plus