أسباب اختلاف موعد عيد القيامة بين الكنائس الشرقية والغربية

في كل ربيع، تُضاء الكنائس، وتُقرع الأجراس احتفالًا بقيامة يسوع المسيح، ولكن في أيام مختلفة. في مشهد يثير تساؤلًا سنويًا مشروعًا: لماذا لا تحتفل الكنائس جميعًا بعيد القيامة في يوم واحد؟
السؤال لا يخص تقويمًا فلكيًا فحسب، بل يحفر عميقًا في جذور التاريخ المسيحي، ويكشف عن طبقات من الخلافات اللاهوتية، والتقاليد المتباينة، ومحاولات لم الشمل لم تكتمل حتى اليوم.
بدأ المسيحيون الأوائل في القرن الأول الميلادي الاحتفال سنويًا بذكرى آلام وقيامة المسيح، لكن دون اتفاق على توقيت محدد. وبما أن عيد القيامة يأتي بعد الفصح اليهودي مباشرة بحسب الرواية الإنجيلية، فإن تغير موعد الفصح يؤدي إلى تغير موعد القيامة كذلك، وهنا يظهر الاختلاف بين الكنائس الشرقية والغربية في تحديد موعد هذا العيد.
ففي الغرب، تحتفل الكنائس الكاثوليكية والبروتستانتية بعيد القيامة وفقًا للتقويم الغريغوري، الذي أُدخل في القرن السادس عشر كبديل للتقويم اليولياني، وذلك لضبط الفروق الفلكية التي تراكمت بمرور الوقت، وعند تنفيذ الإصلاح الغريغوري، تم إسقاط 13 يومًا من الحساب الزمني، كما تم اعتماد قاعدة فلكية جديدة لتحديد موعد عيد القيامة.
فبما أن الأناجيل تربط حدث القيامة بعيد الفصح اليهودي، فقد ظهرت مدرستان مختلفتان لتحديد موعد العيد، المدرسة الأولى، التي ازدهرت في الإسكندرية وروما وأورشليم، فضّلت أن يتم الاحتفال بعيد القيامة في يوم الأحد الذي يلي الفصح اليهودي، باعتبار الأحد هو اليوم الذي قام فيه المسيح من الموت.
أما المدرسة الثانية، والتي تبنّتها كنائس سوريا وآسيا الصغرى وبلاد ما بين النهرين، فقد تمسكت بالاحتفال في نفس يوم الفصح اليهودي، وهو اليوم الرابع عشر من شهر نيسان حسب التقويم العبري، بغض النظر عن اليوم الذي يوافقه في الأسبوع.
هؤلاء أُطلق عليهم اسم "الأربعة عشريين"، وكانوا يرون في هذا التاريخ رمزية مقدسة لا يجب تغييرها، وهكذا، وعلى مدى قرنين، احتفل المسيحيون في أنحاء العالم بقيامة المسيح في تواريخ متفرقة، بحسب التقاليد التي ورثها كل مجتمع.
مع تزايد رقعة المسيحية، بدا واضحًا أن الانقسام حول موعد العيد يخلق ارتباكًا في وحدة الكنيسة الناشئة. وفي عام 325 ميلاديًا، عقد الإمبراطور قسطنطين مجمع نيقية الشهير، والذي ناقش العديد من القضايا العقائدية والتنظيمية، وكان من بينها توحيد موعد عيد القيامة.
Trending Plus