المصريون في الأقصر التاريخية أقدم من احتفل بشم النسيم وصنع الفسيخ.. دراسة: المصريون القدماء تناولوا السمك والبيض والحمص الأخضر فى احتفالات شم النسيم.. ونصحوا الجميع بقضاء يوم أسرى سعيد وسط الزهور.. صور

التاريخ بدأ من هنا فى قلب محافظة الأقصر، حيث إنه منذ آلاف السنين كانت الأقصر عاصمة مصر القديمة، ومع قدوم احتفالات أعياد الربيع و"شم النسيم" تعود الأذهان من جديد للأقصر عبر بوابة مدينة إسنا، التى كانت المدينة الرائدة منذ آلاف السنين فى صناعة الأسماك المملحة والفسيخ أشهر مأكولات شم النسيم على الموائد المصرية، حيث توجد فى قلب إسنا وبالتحديد فى نجع أبو سعيد ما يسمى تاريخياً بـ"جبانة الأسماك" فى إسنا التى كانت تسمى قديم "لاتوبوليس" والتى تعنى بالإغريقية "مدينة السمك".
ويعود تاريخ حرص المصريين على تناول الأسماك بأنواعها، وبخاصة الأسماك المملحة منها "الفسيخ والرنجة" وغيرها، فى يوم شم النسيم إلى عهود الفراعنة فهم الذين جعلوا من قدوم فصل الربيع عيد شعبى وأقاموا له احتفالات عظيمة، حيث يقول الدكتور مصطفى وزيرى الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للآثار، عبر دراسة أعدها لرصد تاريخ يوم "شم النسيم" بمصر القديمة، أنه نص التراث الأدبى الذى خلفه لنا القدماء المصريون والذى يصف للجميع مشاهد الاحتفال بأعياد الربيع وعيد "شم النسيم"، حيث كانت أبرز الكلمات بتلك النصوص:- "اقض يوماً سعيداً، وضع البخور والزيت الفاخر معاً من أجل أنفك، وضَع أكاليل اللوتس والزهور على صدرك، بينما زوجتك الرقيقة فى قلبك جالسة إلى جوارك، فلتكن الأغانى والرقص أمامك واطرح الهموم خلفك ولا تتذكر سوى الفرح، إلى أن يحلّ يوم الرسو فى الأرض التى تحب الصمت".
ويضيف الدكتور مصطفى وزيرى لـ"اليوم السابع"، أنه عاش المصرى القديم أعياداً دينية واجتماعية وأخرى زراعية، حيث أقام خلالها احتفالات الخاصة والتى اشتملت على إقامة الشعائر والطقوس وربما تلك الشعائر والطقوس هى التى ميزت حضارتنا عن باقى حضارات العالم القديم، وبعض هذه الأعياد لازالت فى ذاكرة المصريين حتى يومنا هذا مثل "عيد شم النسيم"، مؤكداً على أنه اهتم أجدادنا بقدوم فصل الربيع الذى شهد أهم الاعياد الزراعية والإجتماعية فى مصر القديمة عيد "شمو"، أو ما يعرف فى يومنا هذا بـ"عيد شم النسيم" فكان مناسبة لديهم لإقامة أفراح تُغنى فيها أناشيد جماعية تنشدها السيدات النبيلات المشتركات فى المواكب مع أصوات القيثارات وأغانى الغرام والأناشيد المصاحبة لحركات الرقص، فهو عيد قومى خاص بالطبيعة والزراعة عند القدماء وليس مناسبة دينية، فلم تكن حياتهم مجردة من الاستمتاع بجمال الحياة ونشر روح السرور والبهجة.
ويؤكد الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، فى دراسته، على أنه تعنى كلمة "شمو" فى اللغة المصرية القديمة "الحصاد"، وهناك من يذهب بأن لفظ "شم النسيم" مركبة من كلمة شمو "حصاد"، و"آل" بمعنى "نبات" والتى تدل على أن الاسم لم يُحرف ثم أُدخلت كلمة "نسيم"، والتى تعنى الجو المعتدل اثناء الريح اللينة، ففى يوم عيد شم النسيم كان الناس يقضى يومهم فى التنزه فى المساحات الخضراء على النيل والاستمتاع بالطبيعة، ولقد مَثلَ "شم النسيم" عن القدماء المصريين بعثاً جديداً للحياة كل عام وفيه تتجدد وتزدهر الطبيعة بكل ما فيها، كما اعتبروه بداية جديدة يبدأون به نشاطهم لعام جديد، وكان ازدهار الثمار والزهور وانتشارها يبشر ببداية موسم الحصاد، فيملأون مخازن الغلال بعد حصاد الحقول.
وأوضح أمين الأعلى للآثار السابق، إنه تميز عيد "شم النسيم" فى العصور الفرعونية بعادات خاصة بالطعام وكان لكل طعام مدلوله الخاص مثل رؤوس الخس، وذلك لاعتقادهم أن الخس له خواص مقوية جنسياً وارتبط بالإله "مين" رب الخصوبة، وكانوا يتناولون فيه البصل والسمك والبيض والملانة ( الحمص الأخضر)، وارتبطت جميعها بتجدد الحياة وظلت هذه المأكولات مظهراً ثابتاً من مظاهر الاحتفال بأعياد الربيع فى مصر مروراً بالعصر القبطى وبات تناول المصريين لتلك الأطعمة من العادات الباقية والموروثة حتى اليوم، كما ترمز "البيضة" عند المصرى القديم لبداية الخلق الجديد والتجدد فى عقيدة المصرى القديم، وهى من رموز البعث وعرفها المصرى القديم باسم "سوحت" وفى بعض الاحيان كان المصرى القديم ينقش عليها بعض أمنياته وكان يضع البيض فى سلال من النخيل، وكان لتناول نبات "البصل" أهمية كبيرة أيضاً خلال الاحتفال بـ"شم النسيم"، حيث تذكر أحد الأساطير أنه كان سبباً فى شفاء أمير صغير من أحد الأمراض حيث كان يُوضع تحت وسادته ويستنشقه وقت شروق الشمس وكتب له الشفاء فى يوم وافق احتفال المصريين بعيد "شم النسيم".
وقالت الدراسة، إنه تناول المصريون القدماء السمك المجفف المعروف حالياً بـ"الفسيخ"، وحملت مدينة "إسنا" فى جنوب مصر فى العصر البطلمى إسم "لاثينوبوليس" أى مدينة سمك قشر البياض، وجدير بالذكر أن سمك قشر البياض كان أكثر انواع الاسماك استهلاكاً للطبقة الغنية فى مصر القديمة، وقد عُثر على بقايا أسماك مجففة فى مواقع كثيرة منها موقع "عمال بناة الاهرام" بالجيزة من عصر الدولة القديمة، والسمك المملح وٌصف فى بردية "ايبرس" أنه أستخدم كوقاية وعلاج من ضربات الشمس، وصُنع السمك المملح فى ورش خاصة ويظهر ذلك فى نقوش مقبرة "رخميرع" من عصر الدولة الحديثة، بالإضافة للعديد من أنواع الاسماك الاخرى التى رسموها على جدران مقابرهم مثل سمك البورى والشبوط والبلطى والبياض والقرموط وغيرها. وفى أحد الاعياد كان جميع أفراد الشعب يأكلون السمك المقلى أمام أبواب المنازل فى وقت واحد. وكانت مظاهر الاحتفالات بقدوم الربيع تقام دائما على ضفاف النيل ووسط الحدائق والساحات المفتوحة وهو الامر الشائع لدى جموع المصريين حتى اليوم.
فيما صرح الطيب غريب الخبير الأثرى ومدير معابد الكرنك سابقاً، إنه القدماء المصريين لم يتركوا مجالاً للصدفة فى أى شيء، حيث سجلوا احتفالاتهم بأعياد الربيع ويوم شم النسيم على جدران المعابد والمقابر المختلفة، موضحاً أن مصر الفرعونية كانت من أكثر البلاد الغنية بالأسماك والتى تنوعت أشكالها ومسمياتها، حيث كانت تنتشر برك الأسماك فى المنازل المطلة على نهر النيل والترع والمستنقعات، والبحيرات الساحلية، وبحر الفيوم، فقد كانت الأسماك تنتشر بغزارة فى تلك البرك والمستنقعات والبحيرات.
ويضيف الطيب غريب لـ"اليوم السابع"، إنه تم وصف أهمية الأسماك وتجفيفها وتمليحها فى عصور القدماء لبعض النصوص الفرعونية فقد كانت تعيش فترات مصر القديمة غزارة فى الأسماك حيث كانوا يقولون وقتها:- "الأسماك هناك أكثر وأغزر من الرمال على الشواطئ"، ومن أبرز تلك الأنواع القديمة منذ آلاف السنين سمك البورى والبلطى والشباط وقشر البياض وغيرها والتى تسم تسجيل صيدها على جدران المعابد والمقابر المختلفة.

الدكتور مصطفى وزيري يسرد تاريخ شم النسيم لمحرر اليوم السابع

سمكة قشر بياض مملحة مكتشفة بجبانة أسماك إسنا

سمكة محنطة مكتشفة فى جبانة أسماك إسنا

وزيري والطيب غريب يكشفان تفاصيل احتفالات الفراعنة بشم النسيم
Trending Plus