عصام عبد القادر يكتب عن مقومات النجاح المهني: منظومة قيم العمل الأخلاقية.. التقويم سبيل الازدهار المهني.. العلم أداة التطوير.. الولاء المؤسسي.. مراعاة الصالح العام طريق لتحقيق الريادة والتنافسية

ميثاق وشرف المهن يقوم على منظومة قيم أخلاقية، ناهيك عن القواعد الأصولية المنظمة للعمل؛ ومن ثم تتشكل المعتقدات المرتبطة بالمهنة وتؤكدها ممارسات داخل ساحة أو بيئة العمل، وهنا نرصد صورة التعامل مع الآخرين عبر آليات حددها الإطار الوظيفي للمهنة أو البرتوكول المتعارف عليه، وهذا لا يخرج عن جمهور نقدم له خدمات أو تعاملات داخلية في سياج المؤسسة أو مع المؤسسات الأخرى.
هناك إجماع على أن النجاح المهني يقوم على مقومات يكتسبها الفرد عبر الممارسات الوظيفية أو بالأحرى متوافرة لديه، وبالطبع تشكل محاسن الخلق القاطرة الرئيسة لبلوغ الأهداف أو الغايات المؤسسية، وهنا نتحدث عن الأمانة بصورة مطلقة، تؤدي قطعًا لمراحل الإتقان التي تؤكد عليها معايير الإنتاج بغض النظر عن نوعية المجالات وأغراضه المعلنة، والواقع يشير إلى أن الثقة المتبادلة بين الجميع في الحيز المؤسسي تقوم على ماهية الاحترام دون مواربة.
تحقيق الأهداف المؤسسية ينبري على قناعة تامة من قبل الفرد بشأن الالتزام بمواعيد العمل، وهذا يجعل الفرصة سانحة للسير على الجدول الزمني المرتبط بإنجاز المهام بغية التمكن من تقييمها أو تقويمها؛ كي تأتي بعد ذلك خطوة مهمة للغاية؛ ألا وهي العمل على خريطة التحسين والتطوير؛ حيث يدرك جميعنا أن طبيعة المهن أضحت في حالة من الاضطراب والعجز عن الوفاء بالمتطلبات حال صعوبة مواكبتها للمتغيرات المتسارعة خاصة التقنية منها.
اعتقد أن المنهج العلمي في المهن يزيدها نموًا وثراءً ويمكنا من المواكبة التي يرتضيها كل من مقدم الخدمة والعميل أو المستفيد؛ ومن ثم يتوجب أن يكون الإنسان منا في مجال عمله على مطالعة مستدامة بكل مفرزات ونتاجات العمل الخاصة بمجاله على الأقل، ناهيك عن حد أدني من الثقافة العامة التي تثري طبيعة العلاقات الاجتماعية منها والإنسانية على حد سواء، وأرى أن بيئة العمل التي تقوم على منهجية علمية رصينة تصبح في تطور ورقي وازدهار مستدام.
أخلاقيات العمل تستلزم قطعًا الولاء المؤسسي، والالتزام الوظيفي، والطاعة للرؤساء، وهنا يجب أن ننوه على ضرورة توافر آليات للتواصل الكلي بين الجميع داخل المؤسسات؛ فهذا يساعد على التوجيه والإرشاد وتقديم التعليمات التي تسهم في إنجاز المهام المطلوبة في وقت قصير وبصورة متقنة، وكلما قدمت المؤسسة نتاجًا يستحق الإشادة والتقدير، كلما زاد الولاء المؤسسي لدى منتسبيها، ونشير إلى الطاعة المؤسسية تعني إعطاء الفرصة كاملة للرؤى والمخططات كي تكتمل، وليس من قبيل فرض حالة الهيمنة والتسلطية؛ لكنها مسار يؤكد على الانضباط في حد ذاته.
المصالح العامة التي تكمن في غايات المؤسسة، تؤكد على أهمية الانسيابية، بما يفرض حالة من القيام بالمهام وفق توصيفها، وهذا بالطبع لا ينكر السماح بالابتكار؛ لكن يجب أن يكون المسئول عن العمل وإدارة شئونه على دراية بذلك؛ ليصبح داعمًا ومساندًا لأصحاب الخبرات المتفردة والتفكير الابتكاري، كما تفتح مجال الاجتهاد وتعطي فرصة للتعزيز بغرض الإثابة والتحفيز على تكرار الممارسة الجيدة، وأيضًا للتغذية الراجعة حال الإخفاق؛ ليصبح الفرد على جاهزية لإعادة المحاولة مرات ومرات كي يصل للهدف المرسوم له.
مقومات النجاح المهني تؤكد على المناخ الإيجابي وتدحض كل صور واشكال وممارسات الانحراف الوظيفي؛ حيث إن تأخر المؤسسة عن تحقيق الجودة أو الوصول لمستويات تعبر عن الريادة وقدرتها التنافسية؛ إنما في الغالب يرجع لمتلونات الفساد سواءً أكانت بقصد أو غير قصد؛ فالبيروقراطية أرى أنها معول للهدم وتشكل ضربًا من ضروب الفساد المؤسسي؛ لذا أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي على ضرورة القضاء عليها بغية تحقيق الإنجاز الذي يسهم في اللحاق بركب التقدم، كما يساعد في تسهيل تقديم الخدمات للمستفيد كي يشعر بجودة الحياة المستحقة.
الوجدان المهني يحتاج لغذاء بصورة مستدامة متمثلًا في أخلاقيات نبيلة تحث الفرد على تقييم أدائه ذاتيًا، كما تحضه على مواصلة الرقابة الذاتية، وتوجب عليه أن يتعامل مع الغير بمنتهى النزاهة، وأن تكون ممارساته في كليتها مستقيمة لا اعوجاج ولا شائبة تشوبها؛ ومن ثم تصبح لديه قناعة بأن إتقان العمل وخروج المنتج وفق معايير يرتضيها من تقدم له الخدمة باتت في اتصافه القيمي، وهذا لا يصعب الالتزام به من قبل من يفقه جيدًا أولويات العمل وقواعده وأخلاقياته.
التناغم بين العاملين بالنظم المؤسسية والانسجام الفكري من معززات أخلاقيات العمل؛ فالجميع يعمل من أجل تحقيق المصلحة العامة، والجميع يحرص على أدائه الواجب، والجميع أيضًا يسعى للتميز والتفرد المهاري؛ حيث إن تنافسية المؤسسات تقوم في الأصل على نواتج مبتكرة تخرج من عقول وقلوب محبة للعمل والوطن على حد سواء، وهنا نرصد حالة من الرضا المؤسسي، ونشاهد إيجابية منقطعة النظير بين منتسبي مؤسساتنا الوطنية.
تباعدنا عن أخلاقيات المهن تقوض بالضرورة النجاح المهني، وتورث في النفوس سلبية، وتكرس البيروقراطية في صورتها غير المقبولة؛ إذ تؤدي قطعًا إلى ضعف في الإنتاجية، ليس هذا فحسب، فتهدر الطاقات وتضعف العزيمة وتراكم من المهام بما يضير المستفيد منها بشكل مباشر؛ لكن أخلاقيات المهنة تحث على الإيجابية والمرونة في التعاملات، بما لا يخالف نصوص القانون المنظم، وهنا تدفع القائمين على رأس العمل أن يثابروا من أجل تعديل النصوص التي تبطئ سريان العمل وتخفض بدورها من الإنتاجية، وتحد من سهولة التداول والتعاطي.
أرى أن هنالك نوعان من الالتزام، الأول يقوم على الشكلية ومراقبة أنظار الغير، وهذا لا يقوم في باطنه على قيم خلقية نترجاها؛ فالأساس الذي يقوم عليه يتمثل في اتباع نصوص اللوائح والقوانين والإجراءات المنظمة للعمل، ولا اعتبار لغير ذلك، وثاني أنواع الالتزام المادي والمعنوي، وهنا نقصد الحرص على تنفيذ القانون ومواده مع المرونة في التعاطي وفق إطار أخلاقي يقوم على النزاهة والشفافية؛ فلا مجال حينئذ عن مصالح شخصية أو مراعاة علاقات تحكمها صداقات أو منفعة بعينها أو غير ذلك مما يشوب آليات التعاون أو التعامل سواءً أكان داخل سياج المؤسسة أم خارجها.
النجاح المهني عبر بوابة القيم الأخلاقية تسمح للجميع بأخذ حقوقهم؛ ومن ثم تصبح سمعة المؤسسة جيدة، كما تسهم القيم النبيلة في تعضيد العلاقات السوية وطرائق التواصل وتقضي على العديد من المشكلات ومن خلالها أيضًا يتم مواجهة التحديات والصعوبات وفق سياسة التكاتف والتعاون والترابط بغية التوصل لحلول ناجزة؛ ومن ثم تفتح أبوابًا جديدة على الدوام تستهدف تنمية كافة مجالات العمل داخل النظام المؤسسي، وبناءً على ذلك يسهل تعظيم الموارد المادية والبشرية بصورة متكاملة.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
Trending Plus