كيف يصبح الأبناء حكماء؟

اكتساب المعرفة الصحيحة، بداية لممارسات قويمة، يتلوها بناء وجداني نقي، وتلكم الثلاثية، لا فواصل، ولا حدود، ولا معيار، يحكمها؛ لكن هنالك ضرورة قصوى، تجاه أن نضبط السلوك والانفعال، وهنا يحتاج الإنسان مرآة، يتعرف من خلالها على ذاته، بل يكتشف مكنوها؛ ليحدد احتياجاته الخاصة، التي تسهم في أن تعنيه على التوافق والتكيف، ومواصلة تنمية المهارات النوعية لديه، سواءً أكانت حياتية، أم مرتبطة بمجال تخصصه الدقيق.
حينما يوقن الفرد ثنايا ذاته، يدرك أن أحكامه في حاجة ماسة لتعزيز معرفي؛ فيهرول للمصادر المتاحة؛ كي يستزيد منها، وينهل من مشاربها قدر مستطاعه، ولا يتوقف عند هذا الحد، بل يبحث عمن ينمي لديه الخبرة، من بوتقة لا تنضب؛ حيث يعي أهمية ما لدى الآخرين؛ فيبدى استعدادًا كي يتلقى عبر معايشة، أو مخالطة، أو تعامل مباشر، أو غير مباشر، ما يصقل معارفه، وما يرسخ مستويات الأداء لديه، وبالأحرى يغذي وجدانه.
الأمر يتعلق بماهية الاستعداد لدى الأبناء، وهذا يؤكد لدينا ضرورة العمل الممنهج؛ كي نجعلهم قادرين على ممارسة التفسير، والاستنتاج، وتقديم البراهين والحجج؛ فيصير الاستدلال بمثابة الاتصاف، الذي لا ينفك عن نمط شخصياتهم؛ حيث يستثمرون ما لديهم من معلومات، وبيانات متاحة، كمعطيات رئيسة، في التغلب على ما يواجههم، من مشكلات، أو تحديات، أو صعوبات.
في خضم ذلك يجد الفرد ضالته؛ حيث المناخ الداعم لممارسة الذكاءات المتعددة لديه، عبر شراكة، أو مشاركة، تسهم في تحفيز أكثرها تفردًا لديه، وهذا بالطبع لا يستبعد إمكانية إعمال الفروق الفردية فيما بين الأفراد؛ فتبدو سجايا الأفكار الملهمة متاحة لمن يحاول التفكير؛ كي يصل لما يصبوا إليه، من خلال قدح الأذهان، التي تتوالد عبر مكنونها، ما يساعد في تغيير واقع من حالته التي نصفها بالتقليدية، لحالة تحدث فعالية وديمومة، نتطلع إليها دومًا.
مثابرة الإنسان من أجل بلوغ غايته متطلبٌ رئيسٌ؛ كي تنمو الحكمة لديه؛ فلا يخضع كافة ممارساته للمقارنة، ولا يسمح لتقويم أي ممارسات بعيدًا عن معايير أو محكات، من شأنها أن تعزز الموضوعية في أحكامه؛ فلا إيمان بالحكم المطلق، دون مبرر منطقي ينبري عليه تجاهل ما يدور في العقل من تساؤلات، تبدو مشروعة في كليتها.
العلاقة بين الحكمة واكتساب الخبرات، تُعد طردية في مجملها، وهنا نتوقع أن تفتح أبواب الابتكار لدى الأبناء؛ فرغبتهم لتحقيق أهدافهم، لا تنفك عن آمال وطموحات غير متناهية؛ لذا نرى ملامح الفراسة في فرز الغث من الثمين، والجيد من الرديء، والصادق من المكذوب، والحق من الباطل، وهنا يصعب أن يصاب الإنسان بكل ما يشوب الفكر أو يضير بالوجدان ومكوناته.
تقتضي تنمية الحكمة لدى الأبناء، تعلمًا مستمرًا؛ لتنمو معارف حياتية، تعينهم على أن يديروا شئونهم الخاصة بشكل غير تقليدي، ناهيك عن تحمل للمسئوليات، التي تزداد وتيرتها يومًا تلو الآخر، وهنا نتطلع أن يصبحوا راغبين في تحقيق جودة حياتية، تعينهم لبلوغ الريادة، وتضعهم في ساحة التنافسية، التي تدفع بهم للأمام، بل تخلق في النفوس إيجابية غير مسبوقة؛ ومن ثم لا تدع للسلبية بابًا مواربًا.
في ضوء ما تقدم، يتأكد لنا أن الحكمة في مجملها مكتسبة؛ فبتدريب وتنمية مهارات التفكير لدى الأبناء، نستطيع أن نصقل مداخل الحكمة، وهذا لا يتنافى مع الاهتمام بكافة الخبرات الحياتية، التي يكتسبها الفرد، سواءً من بيئته الاجتماعية، أو من المؤسسات الرسمية، بمختلف غاياتها وبرامجها، وبناءً على ذلك نقدر الجهود المقصودة، حيال تنمية ماهية الحكمة، لدى إنسان منوط به، أن يصبح أداة بناء في مجتمعه.
ما أروع من أن نبدأ باكرًا في تنمية الحكمة لدى البناء؛ لتصبح قدراتهم الذهنية مؤهلة لأن ينغمسوا في حيوات مفعمة بالنتاج لا يستوقف مسارات عوز، بل يصير من دوافع البحث عن حلول غير تقليدية، وهنا نتوقع أن تزدهر بيئاتنا المحيطة، بمزيد من الرؤى الطموحة النظرية منها والتطبيقية؛ ليصبح الربط الوظيفي فيما بينهما أمر سهل المنال.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
Trending Plus