إيمانويل كانت.. ما فلسفته؟ وهل له علاقة بـ فيشتة؟

يُعد إيمانويل كانت أحد أعمدة الفلسفة الحديثة وأبرز المفكرين الألمان فى القرن الثامن عشر، وُلد فى 22 أبريل عام 1724، ويُعتبر آخر فلاسفة عصر التنوير الذى بدأ بفلاسفة إنجلترا مثل جون لوك وجورج بيركلى وديفيد هيوم، وقدّم كانت طرحًا فلسفيًا جديدًا لا يزال تأثيره ممتدًا حتى يومنا هذا، في ميادين المعرفة والأخلاق والجمال والدين.
أهم أعمال كانت وأشهرها هو كتاب "نقد العقل الخالص" الذي صدر عام 1781، وكان في الستين من عمره تقريبًا، في هذا الكتاب، حاول كانت استقصاء بنية العقل البشري وحدوده، ونقد الفلسفة الميتافيزيقية التقليدية ونظرية المعرفة القائمة على التجربة أو العقل وحدهما، وبدلًا من ذلك قدّم رؤية توازن بين التجربة الحسية والعقل، موضحًا أن الإنسان لا يدرك الواقع كما هو، بل كما يُصاغ في ذهنه من خلال مفاهيم وقوالب عقلية فطرية، وهي ما يُعرف بالمعارف القبلية.
ثم تابع كانت مشروعه الفلسفي في كتابين آخرين: "نقد العقل العملي"، والذي تناول فيه فلسفة الأخلاق والضمير الإنساني، حيث طرح مفهومه الشهير "الأمر القاطع" أو "الواجب الأخلاقي"، القائم على فكرة أن الفعل الأخلاقي يجب أن يكون نابعًا من العقل وحده دون الحاجة إلى سلطة دينية أو نفعية؛ و"نقد ملكة الحكم"، والذي تناول فيه فلسفة الجمال والذوق الفني.
ولم تقتصر مساهمات كانت على الفلسفة النظرية، بل تعدتها إلى علم الأنثروبولوجيا، إذ يُعد من أوائل من اعتبروا هذا المجال جديرًا بالدراسة الأكاديمية، قبل أن يحظى بالاهتمام العالمي لاحقًا. وقد ألهمت أفكاره فلاسفة كبارًا مثل هايدغر وريكور.
في المقابل ظهرت فلسفات تنقد أو تناقض ما طرحه كانت، أبرزها فلسفة نيتشه، الذي اعتبر أن الأخلاق التي دافع عنها كانت تمثل "أخلاق العبيد"؛ فهي، برأيه، تمجّد الضعف والخضوع، وهي امتداد لأخلاقيات المسيحية التي هاجمها بشدة.
نيتشه دعا إلى العودة إلى "أخلاق السادة" كما كانت في روما القديمة، حيث يُمجد القوي، وتُحتقر مشاعر الذنب والشفقة.
وهكذا، اختلف الفيلسوفان جذريًا في نظرتهما للأخلاق: فبينما سعى كانت إلى بناء أخلاق عقلانية عالمية، ثار نيتشه على كل المبادئ الأخلاقية القائمة.
أما عن العلاقة بين كانت ويوهان فيشته، فهي علاقة فكرية متصلة؛ فقد كان فيشته من أوائل المتأثرين بكانط، وقد حاول أن يطوّر فلسفة كانت نحو بناء "المثالية الألمانية"، تلك المدرسة التي انطلقت بفكر كانت وتوسعت مع شيلنج وهيجل لاحقًا. ويمكن القول إن فيشته سار على خطى كانت، لكنه أعاد صياغة مفاهيم الذات والحرية والمعرفة بطريقة أكثر راديكالية.
في النهاية، فإن كانت كان صاحب مشروع فلسفي متكامل، أحدث ثورة فكرية حقيقية في الفلسفة الغربية، ولا تزال آثاره باقية في الفكر الحديث. كما أن الجدل الذي أطلقه، سواء مع نيتشه أو مع من جاءوا بعده، لا يزال حيًا في قاعات الجامعات والمراكز الفكرية حول العالم.
Trending Plus