بين شقاء العمل وأمل الرزق.. جمع محصول البطاطس عيد فى البدرشين.. المزارعون: نرعى أرضنا طول العام وفرحتنا الكبيرة يوم الحصاد.. العمال: موسم كثيف وفاتح بيوت ناس كتير.. والعاملات: بنكافح عشان أولادنا.. صور

ما إن تطأ قدماك مركز ومدينة البدرشين بمحافظة الجيزة، حتى تتجلّى أمامك لوحة ريفية نابضة بالحياة؛ حيث يتناثر المزارعون، رجالًا ونساءً، في أرجاء الحقول الخضراء، منهمكون في حصاد البطاطس وتعبئتها، يتنافسون في العمل بجد واجتهاد، ويشدّ بعضهم أزر بعض، يبعثون في نفوسهم عزيمة لا تلين، لتخفيف مشقة العمل تحت لهيب الشمس، ومن حولهم تنساب العربات في كل اتجاه، تحمل ثمار جهدهم إلى أماكن التخزين، في مشهد تتناغم فيه الطبيعة مع الكدح والجَمال.
مع دقات الساعة السادسة صباحًا، تنطلق يوميًا رحلة شاقة مفعمة بالأمل لأهالي مركز البدرشين، إذ يتوجه المزارعون إلى حقول البطاطس، حاملين الفؤوس، يصحبهم المحراث البلدي، لبدء موسم حصاد "العروة الصيفية" الذي يمتد حتى منتصف النهار، بينما تتحرك العربات من حولهم بلا توقف، حاملة المحصول إلى وجهته التالية.
.jpg)
عاملات اليومية في موسم الحصاد

عاملة تساعد في تحميل وتعبئة البطاطس
ورصد "اليوم السابع" عن قرب أجواء الحصاد، إذ زارت عددًا من الأراضي الزراعية في القرى، ورافقت المزارعين وعمال اليومية في يومهم الطويل، الذي يبدأ مع شروق الشمس. يتبادلون فيه النكات والضحكات، ويشجّع بعضهم بعضًا بكلمات قصيرة، لكنها دافئة، وسط أمل بموسم وفير يعينهم على تلبية متطلبات الحياة. كان المشهد حيًّا، زاخرًا بتفاصيل صغيرة تبقى عالقة في الذاكرة، مثل أغنية ريفية قديمة لا تُنسى.

فرحة الأهالي بالمحصول

تعبئة البطاطس في شكائر
قال طارق، وقد ارتسمت على وجهه معالم العمل الصادق والجهد المتواصل: "نبدأ زراعة البطاطس مع مطلع ديسمبر، ونواصل رحلة العناية بها شهرًا بعد شهر، حتى يحين وقت الحصاد في أبريل، إنه الموسم الذي ينتظره الفلاحون كل عام بشغف، ففيه يرزقون، ومنه يجنون ثمرة الكد والتعب. نستقبله بقلوب مفعمة بالفرح، كأن الأرض تبادلنا الحب بعد طول انتظار، فتضيء دروبنا ببركتها وخيرها".

المحراث البلدي في موسم الحصاد

محصول البطاطس في البدرشين

تعبئة محصول البطاطس

حصاد البطاطس في البدرشين

فرحة الأطفال بالمحصول

فرحة طفلة بالمحصول

عمال اليومية في موسم حصاد البطاطس

محصول البطاطس في البدرشين

المحراث البلدي
وتابع عبد الفتاح، قائلًا: "بعد انتهاء مرحلة الحراثة، يتولى العمال مهمة تجميع البطاطس وتعبئتها في الشكائر وربطها بالخيط وتحديد أوزانها، تمهيدًا لتحميلها في سيارات النقل، ومن ثم يتم نقلها إلى المخازن أو تسليمها للتجار".
.jpg)
موسم حصاد البطاطس
يستمر الحصاد أيامًا، حسب مساحة الأرض المنزرعة، وفي هذا الموسم لا يتوقف الجهد، بل يتضاعف مع كل مرحلة، فكل خطوة تتطلب دقة وعناية. أما بالنسبة لأجور العمال، فالعامل يتقاضى 300 جنيه، والعاملة 200 جنيه يومية، وهذا يعكس الجهد الكبير الذي يبذله الجميع. ورغم أن الأجر قد يبدو بسيطًا، إلا أن العمل شاق ويحتاج إلى روح من الصبر والتعاون".
بينما يواصل عبد الفتاح حديثه، ذكر نوعية البطاطس التي يزرعها، قائلاً: "نزرع أصنافًا متنوعة مثل الهتمة والمراسي، وهي أصناف جديدة هذا العام. نعتمد على البطاطس الهولندية والدنماركية والإنجليزية، وأفضلهم من حيث الإنتاجية هي البطاطس الهولندية"، موضحًا أن الإنتاجية تحتلف من عام لآخر حسب نوع الصنف وحجم العناية التي يقدمها الفلاح للأرض، حيث ينتج الفدان ما بين 200 إلى 220 قنطارًا.

محصول البطاطس
وفي كل زاوية من الزراعة، يجد الجميع حلمًا مشتركًا، حيث يقول عبد الفتاح: "الأرض هي روح الفلاح وحياته.. لا راحة له إلا فيها، والحصاد بالنسبة له، ولأبنائه، يوم عيد. هذا الموسم هو الموسم المنتظر، موسم الخير والرزق، ليس فقط لأصحاب الأراضي، ولكن للجميع، الفلاح، والتاجر، والعامل، الجميع يستفيد منه".

فرحة المزارعين بحصاد المحصول
جلست وفاء سليمان، عاملة يومية تبلغ من العمر 24 عامًا، على أطراف الأرض بعد يوم طويل من العمل، تنهال عليها أنفاس التعب، لكنها لا تفتأ تتحدث بابتسامة مفعمة بالقوة والتحدي: "أنا باشتغل في كل المواسم، البطاطس، والطماطم، والبلح، وفي المصانع كمان"، تقولها وهي تنظر إلى السماء وكأنها تروي حكاية كفاح طويل امتدت لأكثر من 15 عامًا، ثم تضيف: "أنا مطلقة، عندي ابن صغير عمره 5 سنين، هو حياتي، وبكافح عشان أربيه".

عاملة تساعد في عملية الحصاد
تتحدث وفاء عن يومياتها التي لا تعرف الراحة، عن استيقاظها في الخامسة صباحًا لتبدأ يومها منذ اللحظة الأولى بالعمل الشاق: "أصحى الصبح، أجمع العمال. معايا حوالي 25 عامل، ملزومين مني في كل موسم. ننزل الأرض، نقسم الشغل بينا، نعبّي البطاطس، ونحمل الشكائر"، تردف وفاء بصوت يملؤه الإصرار: "شغل مش سهل، كله عتالة، لكننا بنقسم الجهد، والهدف واحد: توفير قوتنا".

المحراث البلدي
أما الموسم بالنسبة لها، فهو "الموسم المنتظر"، الذي يراه الجميع بوابة الأمل: "الكل هنا بيكافح، مش بس عشان نفسه، لكن عشان أولاده وأسرته. كل واحد فينا عنده مسؤولية، وكل واحد عنده حلم. حلمي أني أربي ابني وأكبره، وهفضل أكافح لحد ما أشوفه عريس، ده حلمي، وإن شاء الله هيكون".

تجميع محصول البطاطس
بينما كان رجب نوير، مزارع ومالك أرض، يستريح قليلاً، ويحتسي كوبًا من الشاي بعد يوم طويل من العمل في الأرض، كان التعب يعلو ملامحه، لكنه لا يخفي ابتسامته التي تحمل الفرحة في قلبه، تحدث عن محصول البطاطس الذي يعد أساس دخله طوال العام: "البطاطس شقانا ورزقنا طول السنة، نبدأ التحضير لها من قبل الزراعة بشهرين، فهي محصولنا الأساسي".

مشاركة الأطفال في يوم الحصاد
الأرض بالنسبة له ليست مجرد أرض، بل هي "روح الفلاح"، مصدر حياته وكرامته: "أرضنا هي أكل عيشنا، مالناش مصدر رزق غيرها"، يقولها وهو ينظر إلى الأرض التي يرتبط بها ارتباطًا وثيقًا، يعرف تفاصيلها ويشعر بحياة كل نبتة فيها.

موسم حصاد البطاطس
وعن طرق تخزين البطاطس، يوضح رجب: "للبطاطس أصناف متعددة، مثل المراسي، الاسبنطة، الهتمة، والدايموند. هذا العام، كانت المراسي هي الأفضل من حيث الإنتاجية، وتستخدم في القلي والطهي، ويُصدر جزء منها أيضًا، ولتخزين المحصول طرقًا عديدة. إما في المبردات أو أسفل "قش" الأرز، وهناك جزء منها يتم توزيعه على الأسواق، بينما يتم تصدير البعض الآخر".

حصاد محصول البطاطس
وفيما يخص العمالة التي تشارك في حصاد البطاطس، يقول: "العمال في موسم الحصاد صورة حية للكفاح والمثابرة. رجالٌ ونساء، كلهم يعملون يدًا بيد، كل منهم يسعى وراء رزقه اليومي، يعمل بكل قوته وطاقته، ويسعى وراء لقمة عيشه. ورغم مشقة العمل، إلا أننا نعلم جيدًا أن رزقنا يأتي من هذا العرق، وأن الله دائمًا معنا يوفقنا ويعيننا".

حصاد البطاطس في البدرشين
Trending Plus