"الزيتونة التي لم تنحنِ".. حكاية سيناوى صمد في وجه الاحتلال والإرهاب ليُعمّر أرض أجداده.. والده قاوم محاولة إسرائيل شراء الأرض.. وصمد في وجه الإرهابيين واستُشهد نجله ونجا من محاولتي اغتيال.. صور

في أرض تُخضّبها الدماء وتُباركها صلوات الصامدين عليها، وتُروى بعرق الأجداد، تترسّخ الحكايات في صخورها ورمالها، وتُزهر في شجر الزيتون الذي لا يشيخ. في شرق مدينة الشيخ زويد بمحافظة شمال سيناء، يقف عيّاد عايد سالم ، ابن الواحد والسبعين عامًا، شاهداً حيًا على ملحمة من الصمود والارتباط بالأرض بدأت منذ قرون، ولم تُطفئ جذوتها لا آلة الاحتلال ولا نيران الإرهاب.
يروي عم عياد وهو من أبناء قبيلة "الرميلات"، في حديثه لـ"اليوم السابع"، كيف توارثت عائلته الأرض منذ عام 1800، جيلاً بعد جيل، حافظوا على تعميرها رغم تقلبات الأزمنة وتحدياتها.
الأرض بالنسبة لهم ليست مجرد مساحة زراعية، بل إرث روحي وعقائدي، يساوي العرض والكرامة. "اللي يفرّط في أرضه، كأنه فرّط في أهله"، يقولها بحزم بينما تتسع نظراته نحو أشجار الزيتون التي باتت تغطّي معظم الأرض، وكأنها جنود خضراء تحرس الحكاية.
عندما احتلت إسرائيل سيناء عام 1967، كانت أولى غاياتها السيطرة على الأرض، ليس فقط بالسلاح، بل بالخداع والشراء. يتذكر عم عياد تلك المرحلة قائلاً: "كان العدو يسعى للحصول على وثائق بيع للأراضي مقابل مبالغ كبيرة، لكن والدي رفض بإباء، وقال لهم: الأرض مش للبيع ولا للرهان، دي حياتنا". كانت الأرض حينها مزروعة بأشجار اللوز التي غُرست بماء المطر، وكان الاحتلال يعرف قيمتها، فحاول بكل وسيلة أن ينتزعها. وحين فشلوا بالإغراء، استخدموا القوة فانتزعوها عنوة، وأجبروهم على النزوح، لتُضم الأرض إلى مزارع الاحتلال التي أستولي علي أرض ملاكها بالقوة مد لها شبكات مياه، وحولها لمزارع موسمية لإن تربتها طينية خصبة غزيرة الإنتاج.
بعد انتصار أكتوبر المجيد، واستكمال انسحاب إسرائيل من سيناء في أبريل 1982، عاد عم عياد وعائلته إلى أرضهم. "رجعنا ومافي غير الحلم والإيمان في قلبنا"، يقول " بدأنا من جديد، بنقل شتلات الزيتون من العريش إلى الشيخ زويد. لم تكن هناك آبار، نسقي الأشجار بالماء المحمول في "فناطيس" أو على ظهورنا بجراكن، يوماً بعد يوم، وسنة بعد سنة".
في عمر الرابعة والعشرين، تولّى عم عياد مسؤولية الأرض، وحفر أول بئر مياه فيها، ما شكّل نقطة تحول حقيقية.. يوضح قائلاً: "اخترت الزيتون لأنه شجرة صبورة، تعيش في الطين وتثمر بوفرة.. وكان قراري زراعتها قرار حياة". لم تمضِ سنوات حتى أصبحت الأرض وكل المناطق من حولنا مسطحًا أخضر، مزروعًا بأشجار الزيتون وبعض أشجار الخوخ ..وبدأت المنطقة تأخذ شكلها الزراعي الجديد.
لكن فرحة الزرع لم تدم طويلاً، فالإرهاب الأسود تمدد في أرجاء سيناء. "مرت علينا سنوات عصيبة.. لكننا لم نغادر الأرض"، يقول عياد وهو يحكي عن محاولتي اغتيال تعرض لهما، الأولى عندما حاول الإرهابيون استدراجه من بيته وسط المزرعة، والثانية في صباح كثيف الضباب تسللوا فيه إلى منزله. نجح في الفرار، لكنهم سرقوا محتويات المزرعة، من الأعلاف والمواشي والمعدات.
الحزن الأكبر في حياة عم عياد كان استشهاد ابنه الأصغر "أحمد" على يد الإرهابيين. "قرر يساعد الدولة في معركتها ضد الإرهاب، وفي يوم كان مريضًا يلازم فراشه.. خطفوه من بيتنا، وعثرنا على جثمانه بعد أسبوع"، يقولها ودمعة حبيسة تقف عند طرف عينه، لكنه يكمل: "رغم الوجع، أمرت أحد أبنائي أن يكمل طريق شقيقه.. وأُصيب بطلق ناري في صدره أثناء إحدى عمليات التطهير، لكنه نجا والحمد لله".
بعد أن تمّ تطهير سيناء من الإرهاب، عاد عم عياد ليُعيد تشجير الأرض. اقتضت ظروف الحرب أن تقص بعض أشجار الزيتون لتوفير خطوط رؤية أمنية، لكنه عاد وسقاها لتنمو من جديد، ومعها نما الأمل، وازدهرت الحياة. "الأرض رجعت خضراء، والزيتون كأنه بيرد التحية للصبر"، يقولها بفخر وهو يشير إلى مئات الأشجار الممتدة على مدى البصر.
يكمل "عدنان"، أصغر أبناء عم عياد، قائلًا: "نحن اليوم نحتفل بذكرى تحرير سيناء، ونحن أبناء من قاوموا الاحتلال ورفضوا الإرهاب، واليوم نزرع السلام ونبني بالمحبة". يرى عدنان أن الزيتون لم يكن فقط شجرة، بل "رمز لكل معاني التحدي والبقاء والبركة".
بالنسبة لعم عياد، لا فرق بين الأرض والعرض. "إحنا نعتبر الأرض عرض، لانفرّط فيها، ومش فاهم الناس اللي تقول إن فيه تهجير أو مشاريع لإسكان فلسطينيين في سيناء.. هذا كلام مستحيل". يؤمن الرجل بأن الدولة المصرية صمام الأمان، ويثق بأنها لن تفرط في شبر من سيناء.
اليوم، أصبحت الأرض التي كانت جرداء مسطحات خضراء، تنتج أطنانًا من الزيتون سنويًا، وتفتح أبواب الرزق لعشرات من الشباب في المنطقة. يقول عم عياد: "شجرة الزيتون رمز السلام، وهي اللي بتحمل الخير، وتديك كل اللي فيها.. زيت، خشب، ورق.. ما ترمي منها حاجة".
وفي ختام حديثه، يقول عم عياد: "قصة حياتي قصة كل سيناوي، غادر الأرض مجبرًا، لكنه ما ارتاح إلا لما رجع لها.. وسيناء مش أرض بس، هي حكاية، وتاريخ، وعهد بين الإنسان والخالق أن نحفظها ونرويها".

العم-عياد

العم-عياد-في-مزرعته

مع-اشجار-الزيتون

مع-الزيتون-في-مزرعته

مع-محرر-اليوم-السابع

مع-نجله-عدنان
سيناء
الزيتون
الشيخ زويد
الإرهاب
الاحتلال
تحرير سيناء
الزراعة في سيناء
مقاومة
قصص بطولية
أرض الأجداد
إجازة عيد تحرير سيناء
موعد اجازه عيد تحرير سيناء
اجازات شهر ابريل
هل عيد تحرير سيناء اجازة رسمية
متى تم تحرير سيناء
السادات
محمد أنور السادات
أهم أعمال محمد أنور السادات
تحرير طابا
صور لعيد تحرير سيناء
عيد تحرير سينا
السيسي
وفاة السادات
اغتيال انور السادات
فديو اغتيال السادات
محمد أنور السادات الابناء
24 ابريل
Trending Plus