تحرير سيناء.. عبور ثان نحو المستقبل

 أ.د/ مها عبد القادر
أ.د/ مها عبد القادر
بقلم أ.د/ مها عبد القادر

تطل علينا ذكرى تحرير سيناء في كل عام محملة بالفخر والانتصار، ومفعمة بأسمى معاني الوفاء والولاء لوطن لم يبخل أبناؤه يوماً بدمائهم في سبيل رفعته وكرامته، وقد استطاع جيش مصر العظيم أن يطهر هذه البقعة الطاهرة من الاحتلال الصهيوني الغاشم ومن براثن الإرهاب الغادر، وستظل سيناء تلك الأرض الغالية التي دفع المصريون من أجلها أغلى الأثمان محفورة في قلوب الأجيال، شاهدة على بطولات وصمود شعب لا يعرف الانكسار، بدءًا من لحظة النكسة وما تلاها من إعادة بناء الروح والانطلاق إلى نصر أكتوبر العظيم، وصولاً إلى الحرب الشرسة ضد الإرهاب، التي أثبت فيها المصريون، قيادة وجيشاً وشرطة وشعبًا، معدنهم الأصيل وعزيمتهم التي لا تلين.


ويمثل تحرير سيناء في الخامس والعشرين من أبريل كل عام، لحظة تاريخية فارقة في تاريخ مصر؛ لإنه عبور ثان نحو المستقبل، واستحضارنا لذكرى التحرير ومشاهد البطولة تغرس في نفوسنا إيمانًا راسخًا بأن حماية الأرض لا تنفصل عن بنائها، وأن التنمية والأمن وجهان لعملة واحدة، فما جرى على أرض سيناء من تضحيات لا ينسى، وما قدمه الأبطال من دماء ذكية ليس فقط صفحة من الماضي، بل هو دافع مستمر للحفاظ على السيادة والكرامة الوطنية، وتذكير دائم بأن مصر على مر التاريخ مصدر إلهام للشعب لا تقبل التفريط في أي شبر من أراضيها، وستظل تدافع عن هذا الحق بكل ما أوتيت من قوة ببذل الغالي والنفيس ليظل الوطن حرًا أبيًا.


إن ما تحقق في سيناء بعد التحرير يعكس بجلاء رؤية الدولة المصرية العميقة، وإصرار قيادتها السياسية على جعل هذه الأرض الطاهرة نموذجًا حيًا لما يمكن للإرادة الوطنية أن تصنعه إذا ما توفرت لها القيادة الرشيدة، فرغم التحديات الأمنية الكبرى التي واجهتها الدولة في مواجهة الإرهاب الذي حاول زعزعة الاستقرار في سيناء، فلم تتوقف عجلة البناء وتواصل العمل ليل نهار في بناء المدن الجديدة، وتوسيع شبكة الطرق والمواصلات، وتوسيع الرقعة الزراعية، وتوطين الصناعة، واستغلال الموارد الطبيعية، وإنشاء المشروعات التنموية الكبرى التي تحقق التوازن بين الحفاظ على السيادة الوطنية، والعمل على توفير فرص العمل والرفاهية للمواطنين، وحولت سيناء من ساحة معركة إلى أرض خصبة للفرص والتنمية المستدامة.


وهنا تتجلى عظمة الشعب المصري الذي اصطف خلف دولته وجيشه، لبداية مرحلة جديدة من بناء المستقبل معركة البناء والإعمار، يدًا تبني ويدًا تحمي، لتتحول سيناء من هدف للعدوان إلى بوابة للأمل والمستقبل؛ ولم تكن تلك الإنجازات وليدة لحظة أو محض صدفة، بل جاءت نتيجة خطط استراتيجية متكاملة، وتكافل بين مؤسسات الدولة، وتفان من أبناء سيناء الشرفاء الذين شكلوا، ولا يزالون خط الدفاع الأول في وجه كل محاولات العبث بأمن الوطن؛ لتحقيق الهدف الأكبر في تحويل هذه المنطقة الاستراتيجية إلى نموذج يحتذى به في التنمية الشاملة، مع الحفاظ على السيادة والأمن والاستقرار في مواجهة التحديات المستمرة.


وتبقى سيناء شامخة في وجدان الوطن أيقونة للصمود ومهدًا للبطولة، ورايةً خفاقة تروي للأجيال سيرة العزة والكرامة، وجزءًا لا ينفصل عن الجسد المصري الواحد، وجاء تحريرها إيذانًا ببدء مرحلة جديدة من السيادة الكاملة والقرار الوطني المستقل، فالدولة المصرية استكملت النصر بجهد دبلوماسي متواصل وشاق أثبت فيه المصريون أنهم قادرون على الجمع بين القوة والعقل بين السلاح والحنكة السياسية، حتى تحقق لهم ما أرادوا بسلام مشرف وتحرير تام؛ ومن ثم تؤكد هذه التجربة أن النصر لا يتحقق إلا بالصبر والعزيمة والتكامل بين الحكمة وعناصر القوة الشاملة للدولة.


وما أجمل أن نستعيد في ذكرى التحرير الدروس التي تعلمناها من هذه المسيرة، وأهمها أن التمسك بالحق هو السبيل إلى الانتصار، وأن وحدة الصف الوطني هي الحصن المنيع في مواجهة أي تهديد، وأن بناء الإنسان لا يقل أهمية عن الدفاع عن الأرض، وإن ما تحقق من نصر وما تبعه من تنمية، ما كان ليتحقق لولا إيمان المصريين بوطنهم، وثقتهم بقيادتهم، وتضحيات جيشهم، وإصرارهم على تحويل كل محنة إلى منحة، وكل تحد إلى إنجاز، فأصبحت اليوم رمزًا لبداية جديدة مليئة بالأمل، والسلام، والإعمار.


ونحن نقف اليوم على أرض سيناء الطاهرة، ونرى ما تحقق فيها من تغيير شامل وإنجازات منقطعة النظير، نؤكد بثقة راسخة أن كل محاولات المساس بأرض سيناء الطاهرة لا تعدو كونها أوهامًا عابرة، سرعان ما تتحطم على صخرة الإرادة الوطنية الصلبة، فستظل أرض الفيروز مصرية خالصة للمصريين، وسيبقى الجيش المصري الباسل والشعب الأبي في رباط دائم، أوفياء لعهد الدفاع عن الوطن والتضحية بالغالي والنفيس من أجل صون ترابه الطاهر، كما سيبقى عطاء المصريين العظيم وإخلاصهم المتجذر في أعماق التاريخ، قوة دافعة تبني وتحمي وتضيء الطريق للأجيال القادمة، وستظل سيناء رمزًا خالدًا للسيادة الوطنية، ونبعًا لا ينضب من الفخر والانتماء، نستلهم منها إرادتنا، ونستمد منها عزيمتنا في الدفاع عن كل شبر من أرض مصر، وتحقيق نهضتها المنشودة في شتى ربوعها، بعون الله وتوفيقه.

______

أستاذ أصول التربية
كلية التربية للبنات بالقاهرة - جامعة الأزهر

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

اتجاه في اتحاد الكرة لرفض مطالبات الأندية بإلغاء الهبوط في اجتماع الثلاثاء

موعد مباراة الزمالك القادمة أمام بتروجت فى الدورى والقناة الناقلة

رحمة محسن من بائعة قهوة لتصدر مشهد الأغنية الشعبية

اشتباكات مسلحة وفوضى أمنية فى ليبيا.. فرار أخطر السجناء من سجون طرابلس

أحمد الشناوى حارس عرين بيراميدز يحتفل بعيد ميلاده الـ"34" اليوم


الطقس اليوم الأربعاء 14-5-2025.. أجواء حارة نهارا والعظمى بالقاهرة 31 درجة

يارا السكرى فاشون ديزاينر تجمعها قصة حب مع محمد إمام فى صقر وكناريا

بيراميدز ضد صن داونز.. موعد مباراة نهائى دوري أبطال أفريقيا والقناة الناقلة

بالمواعيد.. 3 مواجهات حاسمة تنتظر عمر مرموش مع مانشستر سيتي

توابع الزلزال.. هزة ارتدادية جديدة بقوة 4.26 ريختر شمال مرسى مطروح


كريم الدبيس يقترب من العودة لمباريات الأهلى بعد التعافى من إصابة الكاحل

زلزال اليوم.. هزة أرضية تضرب القاهرة وعددا من المحافظات.. البحوث الفلكية: قوته 6.4 ريختر على بعد 631 كم شمال رشيد.. ورئيس المعهد: عمق الزلزال كان كبيرًا.. ويطمئن المواطنين: نتابع تداعيات الهزة الأرضية بشكل دقيق

عاجل.. رئيس معهد الفلك: عمق زلزال اليوم كان كبيرًا.. ونتابع توابعه بدقة

رابط الاستعلام عن رقم جلوس امتحانات الدبلومات الفنية 2025

مواعيد مباريات اليوم الأربعاء 14-5-2025 والقنوات الناقلة

أغانى أم كلثوم على مسرح عرائس ساقية الصاوى 12 يونيو

محامى رمضان صبحى يكشف حقيقة القبض على شخص يؤدى الامتحان بدلا منه

حر نار.. تحذير عاجل من الأرصاد عن حالة الطقس اليوم الأربعاء 14 مايو 2025

بعد نشر اليوم السابع.. "البيئة" تبحث شكاوى سكان زهراء المعادى من الحرائق

الحرارة ترتفع لـ 44 درجة.. تغيرات مفاجأة فى حالة الطقس اعتبارا من الجمعة

لا يفوتك


مواعيد حجز قطارات عيد الأضحى 2025

مواعيد حجز قطارات عيد الأضحى 2025 الثلاثاء، 13 مايو 2025 09:25 م

المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى