"تحرير سيناء ... رحلة الكرامة والبطولة بين الحرب والسلام"

منذ نكسة يونيو 1967 بدأت مصر في رسم معالم مشروع وطني شامل لاستعادة سيادتها على شبه جزيرة سيناء، بعيدًا عن إطار الحرب الفردية، بل كمسار تكاملي استثمر المقومات العسكرية والاستخباراتية والسياسية على امتداد أكثر من عقدٍ من الزمن.
انطلقت أولى شرارات هذا المسار عقب إعلان حرب الاستنزاف في صيف 1968، إذ أسهمت المناورات المتواصلة والقصف الاستراتيجي ضمن خطة استنزاف قدرات العدو في إعادة بناء الروح القتالية لدى الجيش المصري، التي شكلت نواة الانتصار الفعلي في السادس من أكتوبر 1973. فبينما تحملّت القوات المسلحة أعباء المعركة البرية وتمكّنت من عبور خط بارليف، كان جهاز المخابرات يجمع المعلومات ويُدقّق الخرائط ويوسّع شبكة المصادر لدعم الخطط العملياتية.
بعد انتصار أكتوبر، تحوّلت أفعال السلاح إلى فعاليات دبلوماسية وقانونية حاسمة. فتواترت جولات المفاوضات بدءًا من جنيف، مرورًا بحوارات القدس ومينا هاوس، وانتهاءً بمعاهدة كامب ديفيد عام 1979، التي ضمنت إطارًا لاستعادة الأراضي وفق بنود ملزمة على الجانب الآخر. ولم يختتم هذا المسار إلا بعد استرداد طابا عبر حكم محكمة التحكيم الدولية عام 1989، محققًا بذلك استرجاع آخر شبرٍ من أرض سيناء إلى الحضن المصري.
لم تكن عملية تحرير سيناء ترفًا جغرافيًا أو رمزًا لحروبٍ سابقة، بل تمثل مدرسةً في توظيف قوة الدولة المركّبة: قوة السلاح، وديناميكية الاستخبارات، ومهارة الدبلوماسية، إضافة إلى احترام مصر للقانون الدولي. وطوال تلك المراحل، حرص القادة – من الرئيس الراحل أنور السادات الذي وقف على منصات المفاوضات بقوة الإرادة والتخطيط الاستراتيجي، إلى الرئيس المكلّف آنذاك حسني مبارك الذي أتقن إدارة ملف الانسحاب الإسرائيلي بدقة متناهية – على أن يبقى هدف استعادة السيادة الكاملة على الأرض هو الشغل الشاغل لكل جهازٍ حكومي.
ويوم 25 أبريل، الاحتفال بذكراه الـ43، لم يكن احتفالًا بروتوكوليًّا فحسب، بل تجديدٌ لعهد الأمة بأبطالها. إذ وضع رئيس الجمهورية إكليل ورود على ضريح الجندي المجهول في مدينة نصر، في لفتةٍ استثنائية لم يعتدها التاريخ منذ تكليف وزير الدفاع بتلك المهمة، لتؤكد أن الرسائل الوطنية لا تنتهي بتغيير المناصب، بل تستمر بالعزيمة والإجلال لتضحيات الشهداء.
ولا تنتهي حكاية تحرير سيناء عند استرجاع ترابها، بل تمتد لتكون رمزًا للتماسك الوطني وصمود الأمة أمام كل ما يهدد كرامتها. فمن محاولات الاحتلال المباشر إلى عمليات التسلل الإرهابي، كلها جبهات واجهها المصريون بوعيٍ عالٍ وإيمانٍ بحرمة الأرض. ذلك الوعي الذي تنامى منذ بناء أول جيوش النظام المنظم في التاريخ المصري القديم، مرورًا بانتصارات أكتوبر المجيدة، ووصولًا إلى مواجهة التحديات الأمنية منذ عام 2011، حيث خاضت مصر معركة أمنية وسياسية واقتصادية متعددة الأبعاد.
منذ عام 2011، دخلت مصر في مرحلة جديدة من التحديات العسكرية والسياسية، حيث واجهت محاولات متواصلة للتشكيك في قوتها وأهميتها في المنطقة. ومع ذلك، أثبتت مصر عبر السنوات أنها قادرة على مواجهة هذه التحديات بثبات، بفضل قوة مؤسساتها العسكرية والدبلوماسية، التي كانت دائمًا في طليعة الدفاع عن مصالح الوطن وحماية حدوده.
إن استعادة سيناء لم تكن مكسبًا عابرًا، بل شهادة تاريخية على أن الدولة القوية تبقى عصيّة على الابتزاز والتشكيك، وأن الشعب الذي يدرك قيمته وحضارته لا يفرط في شبرٍ من ترابه. ولطالما كان رفع العلم المصري فوق رفح وشرم الشيخ وطابا خير تعبيرٍ عن انتصار الإرادة الجمعية على كل محاولات التعدي والخداع.
في هذا اليوم، نستذكر بعرفان دماء المجاهدين الذين بذلوا أرواحهم لاستعادة السيادة، ونعاهد الأجيال القادمة على الحفاظ على ما تحرّر، حتى يرث الله الأرض ومن عليها. فتظل سيناء، بجمالها وتضاريسها الاستراتيجية، عنوانًا للكرامة والعزة المصرية، وشاهدًا حيًّا على قدرة الأمة في استرجاع حقها وتأمين مستقبلها.
Trending Plus