من نجع المناسي إلى أبوظبي.. "صلاة القلق" تسطع فى سماء الرواية العربية.. احتفاء كبير برواية محمد سمير ندا الفائزة بجائزة البوكر.. وزير الثقافة يقدم التهنئة.. وأحمد إبراهيم الشريف: الدخول لعالم الرواية يحتاج يقظة

حققت رواية "صلاة القلق"، من تأليف محمد سمير ندا والصادرة عن دار مسكيلياني للنشر، نجاحًا جديدًا للأدب المصري، حيث فازت بالجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) في نسختها لعام 2025، الذي أُقيم في العاصمة الإماراتية أبوظبي. وقد أشادت رئيسة اللجنة، الدكتورة منى بيكر، بلغة الرواية وعالمها وتعدد شخصياتها، مؤكدة أنها اعتمدت على تعدد الأصوات. وفور الإعلان عن فوز الكاتب المصري بالجائزة، بدأت التهاني والمباركات تملأ صفحات القراء والمتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة.

وقد أجرى الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، اتصالًا هاتفيًا بالأديب محمد سمير ندا، قدّم خلاله خالص التهنئة بمناسبة فوزه بالجائزة. وأكد الوزير أن هذا الإنجاز الكبير يُعد فخرًا للأدب المصري والعربي، ويجسّد ما تتمتع به الرواية المصرية من عمق وتنوع وقدرة على المنافسة في المحافل الدولية، مشيرًا إلى أن تتويج "صلاة القلق" هو ثمرة لمسيرة إبداعية متميزة وموهبة أدبية استثنائية.

احتفاء واسع بالفوز

احتفى عدد كبير من المثقفين والقراء بفوز الرواية، وانتشرت التبريكات على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة أن مصر لم تفز بهذه الجائزة المهمة منذ عام 2009.

قالوا عن الرواية:

قال عنها الكاتب الدكتور أحمد إبراهيم الشريف: "أكدت لي الرواية تفضيلي للكتابة التي تدفع القارئ إلى التفكير، وتجعله يبذل جهدًا كي يتواصل مع الإبداع، وتدفعه لطرح الأسئلة أو البحث عن الإجابات.

من البداية ندرك أن دخول عالم "صلاة القلق" يحتاج إلى يقظة، فهي لن تمنحك نفسها بسهولة، إذ تعيد تفسير كل ما نعرفه عن النصر والهزيمة، عن علاقة الإنسان بنفسه وبالآخر، عن الأنا والآخر، عن السلطة والشعب.

تُوظف الرواية رموزًا مهمة في حياتنا التاريخية والثقافية مثل الزعيم جمال عبد الناصر والفنان عبد الحليم حافظ، وأحداثًا لا تُنسى مثل هزيمة يونيو وما يجري في فلسطين.

وتكشف الرواية عن أنماط فكرية عبر شخصيات مثل: الشيخ أيوب، جعفر الولي، خليل الخوجة، نوح النحال، محروس الدباغ، وداد، عاكف الكلاف، محجوب النجار، زكريا النساج، شواهي، وحكيم. وهي أنماط نجدها حولنا، بل نحن جزء منها بكل تأكيد."

تدور الرواية في نجع "المناسي" المعزول في الصعيد، والذي يهدده شبح الحرب المشتعلة منذ سنوات طويلة دون بادرة لانتهائها. لا يزال الأبناء يذهبون إلى الحرب، ولا يزال المواطنون يدفعون جزءًا من قوتهم لنفقات القتال. إنها حرب أكلت الأخضر واليابس، وأثارت القلق والرعب في النفوس، خصوصًا مع ظهور شخصية خليل الخوجة الغامض، الذي يسيطر على الجميع بقدرته على صناعة الوهم. أقنع أهل النجع بأن قريتهم محاطة بالألغام، وأن الحرب لا تزال دائرة مع إسرائيل، وأن انتصاراتنا تتوالى، ونحن على شفا تحرير فلسطين. وقد ألحق بابنه حكيم أذًى نفسيًا بالغًا.

من جهته، قال الناقد اللبناني فايز غازي: "صلاة القلق، رواية تنقلك من سجادة الطمأنينة إلى صحارى القلق، من الأجوبة الباردة إلى الأسئلة الصعبة، من افتراضات الحقيقة إلى أطياف الشكّ.

لماذا أهدى الكاتب روايته إلى جموع الصامتين؟ هل لأنه يخاطب جيلًا قد أصبح تحت التراب؟ أم لأنه يخاطب جيلًا يخشى الكلام؟ يصمت، ثم يموت وهو لا يزال حيًا!

النصّ مقسّم إلى ثماني جلسات، سيتضح سبب تسميتها مع ختام النص. وتتناوب ظاهريًا أصوات متعددة على السرد، لكنها في الحقيقة صوت واحد يروي كل الأحداث. هذا التجريب كان خطيرًا، لأن القارئ سيتساءل عن تشابه الأصوات، لكنه سيجد الجواب في الختام، حيث يتضح سبب تكرار بعض الأحداث بسبب الحالة النفسية للراوي. الأسلوب جريء ومتميز.

حمل النصّ ثيمات وأفكارًا متعددة: من السياسة والدين إلى الآراء الاجتماعية، ومن الحرب والكتابة إلى الديكتاتورية والرقابة والدعاية والثورة والحرية والموسيقى. لكن قوته تكمن في الثيمات المختبئة بين السطور: كقتل المختلف (وداد)، والخوف منه، وحرية الاختيار (شواهي)، والتيه بين الرغبة والأمومة (شواهي وحكيم).

اللغة ناضجة وجزلة، خالية من التنظير أو التعقيد، ومتأثرة بالفضاء السردي. النص قابل للتأويل بعدة طبقات وتوجهات؛ فالأحداث قد تكون جرت في عقل حكيم، أو في الواقع، أو بدأت في مستعمرة جذام واكتملت في خيال الراوي. الرواية تحمل قدرًا كبيرًا من الرمزية.

أما الكاتب الكبير إبراهيم عبد المجيد، فقد كتب في مقال سابق بجريدة "القدس العربي": "هذه رواية رائعة تستحق اهتمامًا كبيرًا من النقاد. العنوان 'صلاة القلق'، والكاتب محمد سمير ندا، والناشر دار مسكيلياني بتونس. الرواية عن نجع في الصعيد يُدعى 'نجع المناسي'، لا تُعرف حدوده جيدًا، في قلب الصعيد لكنه منفصل عن العالم. لا يعرف سكانه من العالم سوى أن هناك حربًا مستمرة مع إسرائيل منذ عشر سنوات بعد عام 1967. الوسيط بينهم وبين الخارج هو خليل الخوجة، صاحب المحل الذي يشتري منهم إنتاجهم ويبيع لهم، كأنه رمز للسلطة.

أصاب النجع نيزك أو قمر صناعي سقط به، لا أحد يعرف. كما جاء في مفتتح الرواية: 'في البدء سطع ضوء عظيم مزق أجفان النيام، تلاه دوي هائل صمّ آذان الأجنة، فتشكل المكان على ضفة الزمان'. بعدها اجتاح الوباء النجع. تغيّرت رؤوس الناس فصارت كالحجر، والمولودون مشوّهون، ومعظمهم يموت، حيث تقتلهم الداية 'وداد' سرًا. الطفل الوحيد الذي عاش هو حكيم بن الخوجة، لكنه فقد النطق بعدما عضّ لسانه من شدة القلق. اختفت أمه هاربة، ولم يعرف لها أحد أثرًا. القلة الباقية من الأبناء ذهبوا إلى الحرب ولم يعودوا.

يفتح الكاتب أبواب السرد لثمانية أشخاص، يتحدثون في فصول يسمّيها 'جلسات'، كأنهم في لقاء جماعي. هؤلاء الأشخاص هم: نوح النحال، محروس الدباغ، وداد القابلة، عاكف الكلاف، محجوب النجار، شواهي الراقصة، زكريا النساج، وجعفر الولي."