الغش معول هدم المجتمعات

ماهية الغش تقوم على الاحتيال من أجل أن يأخذ إنسان ما ليس حقا له، كما أن هذا الأمر يضير بغيره؛ حيث يتبوأ المكانة المستحقة له؛ بالإضافة إلى طبيعة العمل المقصود الذى يستهدف تزييف النتائج المتوقع إصدار أحكام فى ضوئها، ناهيك عن أنه يترك أثرًا سلبيًا لدى الآخرين؛ حيث الشعور بالإحباط، وفقد الأمل، وضعف العزيمة، والإرادة؛ ومن ثم تستنزف الطاقات بصورة غير مسئولة، ويمتد الأثر السلبى إلى من يهيئ له مناخا داعما يستحوذ من خلاله على النتاج بصورة غير مشروعة؛ فيبدو له أن ذلك حقا من حقوقه قد أضحى سهل المنال، أو يرى أن الاستحواذ لا يضير بالغير، من وجهة نظره المنغلقة والضيقة.
الغش فى التعامل، والمعاملات يقوم على سياسة الكذب، والخداع، ويؤدى قطعًا إلى فقد الثقة بين أفراد المجتمع، أو طرفى التعامل، وهذا يورث البغضاء، والشحناء، ويقوض ماهية حسن النوايا، ومصداقية التعامل، وشرف المهن بمختلف ألوانها، ويضير بالجانب المعنوى قبل المادى لدى الإنسان، ويبرر لفلسفة غير مرغوب فيها، وهى أن الغاية تبرر الوسيلة؛ فيقع المجتمع فى بئر سحيق تشوبه الخلافات، والصراعات، بل يؤدى الأمر للتنازع بكل صوره المادية منه، والمعنوية على حد سواء؛ ومن ثم يشكل خطرًا على الأمن القومى المجتمعي.
من يمارس الغش فى الساحات المقدسة، وفى مقدمتها المؤسسات التعليمية؛ فإنه يرتكب جرمًا لا يغتفر فى حق نفسه، ومجتمعه، وهنا نشير إلى أن الفرد حينئذ قد تحول من أداة للبناء نافعة إلى معول هدم يضير بأى مكان ينتسب إليه؛ كونه لا يستطيع أن يقدم ما يفيد به، بل تؤدى كل ممارساته إلى الإضرار المباشر بطبيعة المجال النوعي، الذى ينتمى إليه دون وجه حق؛ لذا يساعد ذلك قطعًا فى خلق مناخ سلبى يصعب أن تحقق خلاله المؤسسات الغايات المنشودة منها على المدى القريب، أو البعيد.
نقولها بلسان مبين، إذا ما سهّل مسئول فى الساحة التعليمية، أو سمح باستخدام أية وسيلة من شأنها يتحصل المتعلم على معلومات حول إجابات لامتحان، أو اختبار قد صُمم من أجل تقييم هذا المتعلم؛ فإن هذا فى مجمله قد يشكل خطأ جسيمًا، بل لا نغالى إذا ما أخبرنا بأنه ضربًا من الإجرام؛ لكونه يهدر قيمًا نبيلة يأتى فى مقدمتها الصدق، والأمانة، والشرف؛ فيستبدلها بصورة غير مباشرة بشرعنة السرقة، والتزييف، والجور، والظلم.
عقد الامتحان بمؤسساتنا التعليمية نتفق على أنها أحد معايير التقويم وفق ضوابط، ومعايير القياس التى نصنف من خلالها مستويات فلذات أكبادنا فى كل السلم التعليمى بداية من المرحلة الابتدائية حتى الجامعية، وإذ ما تم الإخلال بالبيئة الامتحانية عبر السماح بإحدى صور الغش التقليدية، أو الرقمية؛ فإن هذا إقرار بالظلم، وهدر متعمد لماهية تكافؤ الفرص التعليمية، وهو ما يضير بمخرجاتنا التعليمية؛ حيث خطأ التصنيف المتعمد عبر صعود إنسان لمكانة لا يمتلك مقومات التقدم فيها، وهنا هدر للموارد المادية، والبشرية مجتمعة.
الغش التعليمى خيانة متعمدة تضير بأغلى ما يمتلك الوطن، وهو الإنسان؛ فإعداده ينبغى أن يقوم على معايير شفافة نعلن عبر آليات تقييمه مدى كفاءته، ومقدرته على العطاء فى تخصص نوعى ما؛ ومن ثم نستطيع أن نمده بالمزيد من الخبرات التى تجعله متفردًا فى تخصص منها، وبناءً على ذلك يمكنه أن يحتل المكانة اللائقة به، ويصل للريادة المستحقة فى ضوء تنافسية شريفة قامت على المصداقية، والمعيارية.
الأبناء فى مختلف السلم التعليمي، وبمراحله المتدرجة هم بناة الوطن فى المستقبل، وحينما نسمم أفكارهم بمشروعية المقيت، والمتمثلة فى الغش التعليمي؛ فإن الوهن، والضعف سوف ينتشر فى جسم المجتمع، ويصبح التقدم، والإعمار فى خبر كان؛ ومن ثم تضعف ماهية تحمل المسئولية، وتحل محلها الاتكالية، والفوضوية، والارتجالية، وهنا تذبل الورقة الخضراء، وتذوب أحلام استكمال بناء حضارة مستحقة، وتلوح فى الأفق ثقافة مستوردة تقوم على النفعية، والمصالح الخاصة التى تقدم قطعًا على المصالح العليا للوطن التى قد باتت فى طى النسيان.
إذا ما أردنا أن نقوض النهضة، ونورث الإهمال لدى أجيال تلو الأخرى؛ فإن الغش الذى يشكل معول هدم للمجتمعات إنما هو طريق لتحقيق تلك الغايات غير السوية؛ فمن يتكاسل عن اكتساب معارف، ولا يعبأ بضرورة تنمية مهاراته، وممارساته فى مجال تخصصه؛ فإنه يصعب أن يغذي، وجدانه بالفضيلة؛ فتبدو منظومة القيم النبيلة غير مستساغة بالنسبة له، ولا يعبأ بالشراكة، أو المشاركة من أجل بناء وطن، أو مجتمع أو حتى أسرة صغيرة يتحمل مسئوليتها، ويبذل من الجهد ما يلبى متطلباتها المادية، والمعنوية.
نربأ بكيان الأسرة من أن تعزز صور الغش، وتحض، أو تساعد عليه، ونؤكد لهذه المؤسسة العظيمة البالغة الأهمية أن ضرر الغش مستدام فى حياة فلذات الأكباد؛ حيث لا يخلق إنسان قادر على العطاء، أو العمل، ولا يرغب فى أن يتحمل مسئولياته الحياتية، أو العلمية، أو العملية مدى الحياة؛ فالهروب له مبرر لديه، والخروج عن القاعدة أمر أصيل فى وجدانه، والسلوكيات غير المرغوب فيها سهلة المنال فى جل ممارساته، وهنا نكون قد أضعفنا من ماهية المواطنة الصالحة لديه بصورة مقصودة.
نهيب بمؤسساتنا التعليمية، وبالقائمين على أمرها استبعاد مقومات تفشى ظاهرة الغش، والحرص على إيجاد، أو خلق مناخ داعم؛ للانضباط عند عقد الامتحانات؛ إذ نريد متعلمًا لديه طموح التقدم، وفعالية، وإيجابية المشاركة فى بناء هذا الوطن العظيم؛ فلا طاقة، ولا مجال لأن نتحمل سلبيات الغش التعليمي؛ فنرصد تفشى التنمر، والسلبية، والانحطاط الخلقي، والتبلد بكل صوره، والهروب من مواجهة المشكلات، والتصدى للتحديات، والأزمات، وغير ذلك مما يصعب حصره، أو تناوله، أو ذكره.
عبر بوابة الإعلام المصرى النزيهة تعالوا بنا نصحح مفاهيمنا، ونؤكد على أن الشغل معول بناء المجتمعات؛ فلا نريد من المتعلمين بمؤسساتنا التعليمية أن يستبدلوا الصدق بالكذب، والأمانة بالخيانة، والجد، والاجتهاد بالضعف، والتراخي، ومواجهة المشكلات، والتحديات، والعمل على حلها بالانهزامية، والاستسلام؛ كى لا تتلاشى ماهية المجتمع، ويضعف نسيجه، ويفك رباطه، وفى وقت ليس بالكثير يحدث الضعف، والوهن العام لأمتنا الحبيبة.. ودى ومحبتى لوطنى وللجميع.
Trending Plus