اتركوها على الله

نُبتلى.. نعم، نُبتلى في الولد، في الصحة، في الرزق، بل وفي أنفسنا التي بين جنبينا، نُبتلى لا لضعفٍ فينا، بل لقوةٍ في الصبر يريدها الله فينا، نُمتَحن لا لأننا مذنبون، بل لأننا مؤهّلون لأن نُرفع، أن نُطهَّر، أن نُشكَّل من جديد على عين الله.
لا تخف، فالحياة ليست ورقة امتحان تنتظر أن تُسلمها لمصحح قاسٍ، بل هي صفحة بيضاء يخطّها الرحمن برحمةٍ قبل أن يُقدّرها بعدل.
فلماذا نُرهق عقولنا بخطط الغد، ونَقلقُ من رزقٍ لم يأتِ، ونحمل هَمّ ما لم يحدث؟ بالله عليك، هل تذكر يومًا أنك خططت لولادتك؟ هل اخترت والديك، أو جنسك، أو وطنك؟ فكيف بك اليوم تريد أن تتحكم في غدٍ لم يُكتب بعد؟!
من أحسن لك الكتابة أول مرة، لن يُخطيء في السطر الأخير، من رزقك قبل أن تفهم معنى الرزق، لن يمنعك وقد عرفت طريق السعي.
نحن لا نعيش اليوم، بل نُستنزف في التفكير في ما بعد اليوم، نُحاسب أنفسنا على احتمالات، ونبني آلامنا على أوهام، ونُجهد أرواحنا في سباقٍ وهمي مع مستقبلٍ لا يملك أحد مفاتيحه سوى الله.
قد تقول: التخطيط واجب! نعم، ولكن بعد التوكل، لا قبله، السعي لا يناقض التسليم، لكن القلق يفعل، القلق هو الشك المتنكر في ثوب الحكمة، أما الطمأنينة، فهي اليقين الهادئ الذي يسكن القلوب المؤمنة.
كلما ضاقت بك السبل، تذكر أن الله لم يخلق الضيق إلا ليرشدك إلى الاتساع، وأنه ما من قيد إلا وخلفه مفتاح، وما من ليل إلا ويتبعه فجرٌ، حتى وإن طال الظلام.
قل لنفسك حين يهجم القلق: "وماذا بعد؟" إن كان الخير، فبفضل الله، وإن كان غير ذلك، ففيه حكمة لا تراها اليوم، وقد ترى أثرها غدًا، كم من محنةٍ حُجبت فيها نعمة، وكم من فقدٍ كان بذرةَ وجدٍ أعظم.
فاطمئن..
اطمئنوا، فإن النفس لا تملك حتى أنفاسها، فكيف لها أن تملك الغد؟ لا ترهقوا أنفسكم في الغد، فرب الغد معكم اليوم.
من دبّر الأمس دون علمكم، لن يعجز عن تدبير ما هو آتٍ، سَلِّموا، واطمئنّوا، فأنتم في يدٍ لا تُخطئ، ولا تَغفل، ولا تَنسى.
Trending Plus