الخطاب الدينى.. بين التشنج الخطابى واستسهال الفتاوى

في ظل فوضى الفتاوى، وإثارة الجدل حول قضايا فقهية، لا أحد يختلف أن الخطاب الديني دوره مهم في صياغة المجتمع وبناء منظومته القيمية، لكن ما أود تسليط الضوء عليه في مقال اليوم، مسألة التشنج في الخطاب الدينى، والاستسهال أيضا في إصدار الفتاوى في الإعلام وفى مواقع التواصل الاجتماعى، فلا يجوز – على الإطلاق - أن يتم وضع شروط للمجتهد أقل ما توصف أنها تعجيزية، فلا شكّ أنّ الاجتهاد له ضوابط لكن ليست إلى درجة التعجيز، ولو اتبعنا هذا الأسلوب فمؤكد أنه سيولّد التشنج والتعصب والتشدد، ولا يجوز أيضا الاستسهال فى الفتوى بداعى تعزيز الاجتهاد وتجديد الخطاب، فهذا يُولّد الفوضى والبلبلة في المجتمع، لذلك أسعدنى اهتمام وكلمات الرئيس عبد الفتاح السيسي، فى حفل تخرج الدورة الثانية لتأهيل أئمة وزارة الأوقاف، التي نظمتها الأكاديمية العسكرية المصرية، خاصة أن هناك حرصا على تأهيل الأئمة على برنامج تدريبي متكامل، بهدف صقل مهارات الأئمة علميًا وثقافيًا وسلوكيًا، وهذا يسهم في الارتقاء بالخطاب الديني ويعزيز آليات مكافحة الفكر المتطرف، والأهم أنه يرسخ قيم الوعي والمعرفة، ليكونوا دعاة مستنيرين، يمتلكون أدوات الإقناع والبيان بوعي عميق لمختلف القضايا الفكرية والتحديات، بجانب تعزيز الحس الوطني لديهم.
وأسعدنى أيضا دعوة الرئيس السيسى الأئمة باستخدام المساجد كمراكز إشعاع معرفي إلى جانب كونها دور عبادة، مطالبًا بأن يكونوا قدوة في التعامل، وغرس القيم الأخلاقية، وبدعوته الحفاظ على اللغة العربية كجزء من الهوية الثقافية للمجتمع، داعيًا الأئمة ليكونوا سفراء للحرية والرحمة والتسامح.
لذا، أعتقد، أن أوّل أمر في تجديد الخطاب هو العمل على بثّ مناهجَ تربويّةٍ في المدارس والمساجد، وأن نراعى أن تجديد الخطاب الديني لا يعنى التجرد عن أصول الدين وثوابته ومسلماته أو الخروج على مبادئه وأخلاقياته، وإنما يعنى البحث فى أدلته المعتبرة ومقاصده العامة واستنباط ما يتفق منها ومتطلبات العصر، والبحث عن التخصص وامتلاك أدوات التجديد من استيعاب اللغة العربية وقواعدها وأسرارها وكيفية التعامل مع الأدلة الشرعية ومع تراثنا الخالد واحترام العلماء والالتزام بأدب الخلاف والموضوعية فى المناقشة والمحاورة وغير ذلك من الأمور المنوط بها الأزهر الشريف والمجامع العلمية المختصة على مستوى العالم الإسلامى فى إطار الاجتهاد الجماعى لعلماء الأمة.
ولا ننسى، أهمية تنفيذ ندوات علمية إعلامية بصفة دورية بالتنسيق مع علماء اعتمدهم الأزهر الشريف متحدين فى مجال التجديد فى وسائل الإعلام المختلفة ووسائل الاتصال الحديثة لطرح الأفكار والمفاهيم والتساؤلات والرد عليها، مع العناية بتطوير مؤسسات الثقافة والفكر والاهتمام بالمفكرين والعلماء والمثقفين لتمكينهم من أداء دورهم البناء في بناء المستقبل والتفاعل الحضاري.
وأخيرا.. إذا أردنا – حقا – تجديد الخطاب الدينى علينا الاهتمام بالتربية والتعليم وإعادة بناء مناهج التعليم ومقرراته بتكثيف المقررات الفلسفية والفكر النقدي ومقررات التسامح وبناء الأخلاق والتربية.
Trending Plus