عصام عبد القادر يكتب عن ظاهرة الغش: هدر تكافؤ الفرص.. تقويض للتنمية.. تكريس السلبية.. تدني الطموح والأمل.. النيل من مقدرات الوطن

عصام عبد القادر
عصام عبد القادر

يكاد نتفق على أن الغش يشكل الخطر الأعظم الذي يهدد مستقبل تنمية البلاد ومقدراتها المادية والبشرية، وأن ضياع الحقوق تصبح مستساغة لدى من يمارس تلك النقيصة، وأن ماهية تكافؤ الفرص التي تنبري من فلسفة العدل والمساواة لا مكانة ولا اعتراف بها بين من يمارسون هذا الخلق غير القويم ومن يسهلون وييسرون ويخلقون المناخ المعزز له؛ فالأمر أضحى مقلقًا لمن يوقن بالسلبيات التي يترتب عليها تفشي وانتشار هذه الظاهرة غير الحميدة.


ظاهرة الغش إذا ما سمح لها بالانتشار في أي مجتمع؛ فإن مستقبل نهضته تصبح على شفا حفرة؛ لأن هذه الجريمة سوف تفتح لكافة الخلق الذميم أن يمارس دون تورع أو خشية؛ فقد بات الظلم وأخذ ما لا يستحقه الغير أمرًا لا تمنعه عادات المجتمع الذي يتغول فيه القوي على من لا سند ولا داعم له، كما أن فرص الترقي والازدهار لا تفتح أبوابها أمام الكادحين المجتهدين الراغبين في تحقيق آمالهم وطموحاتهم المشروعة.


الغش أحد الأسباب الرئيسة التي تضير بتكافؤ الفرص بين الأبناء، بل تؤدي إلى إكسابهم العديد من صفات سلبية الأثر؛ فتجد أن هنالك سلبية مفرطة تجاه العديد من القضايا والاهتمامات على مستوى الأسرة والمجتمع، ولا تجد للمشاركة قيد أنملة، بل البعد خيار مفضل لديهم، وهنا يشكل الهروب من وقائع الأحداث التوجه المحبب لدى الإنسان، كونه يدرك أن دوره لا جدوى منه ولا ثمرة مرتقبة حيال شراكته؛ ومن ثم يصاب بالتبلد على مستوى التصرف والمشاعر وهذا في كليته يشكل خطرًا جسيمًا على بناء شخصية الأبناء.


هدر تكافؤ الفرص يفتح الباب على مصراعيه لتوظيف ما يمتلكه الفرد من مهارات تفكير عليا تجاه تعزيز طرائق واستراتيجيات الاحتيال، وهنا يحدث الانهيار المؤكد لمنظومة القيم النبيلة التي تعد سياج أمن واستقرار المجتمعات؛ فتصير فلسفة التصرفات والممارسات تقوم على مبدأ معلن ألا وهو النفعية في صورتها البحتة؛ فلا مكان لتحقيق الذات أو بلوغ الريادة أو تحقيق غايات التنافسية التي تخلق مقومات الابتكار.
غياب تكافؤ الفرص يقتل الرغبة في طلب العلم بشكل عام؛ حيث تضعف الرغبة في حب الاستطلاع والمثابرة من أجل الفهم العميق وتضعف عزيمة الدأب من أجل مزيد من الاستكشافات العلمية التي تثري مكنون ومكون الخبرة لدى الأبناء؛ فتجد أن هروبهم تجاه ما يشغل الأذهان ويصرفها على طلب المعرفة وما يضاف لها من زخائر جديدة؛ لذا تصبح الاهتمامات منصبة على ملذات تهدم الثوابت وتلبي رغبات جامحة تضير بالطبع أصحابها والمجتمع معًا.


النماذج التي نطالعها من طرائق لمحاولات الغش تجعلنا نوقن بخطورة الظاهرة؛ فقد أضحت مسارات التفكير تنحرف عن مآربها وتسعي لتحقيق أهداف مشوهة في كليتها، وهنا نخشى على ثروتنا البشرية من السقوط في بئر سحيق يمتلء بمفاهيم مغلوطة يأتي في مقدمتها التبرير غير المنطقي الذي يقوم على معتقدات لا تهب الإنسان إلا الخنوع والرضا بحاله؛ فلا رؤى طموحة ولا مهارات متفردة ولا مستقبل مشرق في حيز الاهتمام الشخصي لدى الفرد.


التنمية يبدأ تقويضها من هدر للطاقات عبر أفكار مشوبة تنبعث من بيئة مجتمعية تتيح انتشار ظاهرة الغش؛ فتشرعن استراتيجيات الاحتيال وتفتح مجالات أبواب الشيطان ليوسوس لمن يسهل للغش ولمن يقتنص الفرصة كي يرتكب الجريمة النكراء ومن يقوم على إطلاق كلمات مشجعة تسهم في تعزيز الفعل أو الممارسة الحمقاء، وهنا نتوقع أن تتفاقم المشكلات وتزداد التحديات؛ فلا نجد من يمتلك العلم ومقوماته المعرفية والممارسية والوجدانية ليستطيع أن يشارك في إعمار الوطن وتنمية المجال النوعي الذي ينتمي إليه.


عندما تنتشر الظاهرة سوف يختل ميزان القوى المجتمعية وتصبح الأحقاد وكافة أمراض القلوب لها نصيب الأسد بين أبناء الأمة؛ فلا تجد للرضا مكانة ولا للاحترام والتقدير منزلة، ولا للولاء والانتماء قدرًا من الاهتمام أو التمسك بهما، كما أن سائر الممارسات تصبح في جملتها تميل للانحراف عن الطريق القويم، وهذا ما يدحر مخططات التنمية ويقوض كل محاولات تستهدف العمل عليها؛ لأن الثروة البشرية فقدت شغفها تجاه ماهية الإنتاجية بكل أنماطها.


إن استراتيجية الأوطان تصبح في خبر كان عندما تستحوذ نتائج الظاهرة على المناخ وتصبح أمرًا متقبلًا وواقعًا بين أبناء الأمة؛ فترى الجريمة منطق الأقوياء وفق قناعات مزيفة لكنها توافق مع تراكيب إنسانية بصورة مؤسفة، وهنا ننسى نهضة الوطن ورقيه وفق خريطة مستقبلية في شتى مجالات التنمية المستدامة.


عقول بني الوطن تتحول من الابتكار إلى سياسة الفبركة والسعي والمساعي سهلة المنال عبر خطوط تقوم على الوهم والوهن؛ فتنمية خبرات النصب والاحتيال والخديعة يصبح الاهتمام الأولى لدى أجيال تهدر طاقاتها في عبث وسفه بغية الاستزادة من كل ما من شأنه يفي بشغف شهوات ورغبات غير مشروعة ولا تتقابل مع منظومة القيم النبيلة للمجتمعات.


السلبية وتدني الطموح وغياب الأمل مقوض أساسي لقاطرة التنمية بكافة مجالاتها، وهذا خطر يحدق بالوطن ويضير بأمنه وأمانه واستقراره بصورة مباشرة؛ فعندما تبحث عن أصحاب الكفاءات ومتفردي المهارة لا تجد منهم الكثير؛ فقد اعتنق بفضل شيوع الظاهرة بين المجتمع أسلوبًا حياتيًا يقوم على التراخي في العمل والاستهانة بالمقدرات والخلل الوظيفي بما يحدث فجوات بين أفراد المجتمع وبين المؤسسات على حد سواء؛ فالجميع لا تحكمهم راية التنمية ولا يهمهم المصلحة العليا للوطن.


كل من يساعد على انتشار ظاهرة الغش في المجتمع فإنه يؤصل لمشروعية النيل من مقدرات هذا الوطن؛ لذا نربأ بالذين يحاولون أن يقدموا المساعدة عبر الإخلال بنظم من شأنها أن تغرس المسئولية والاعتماد على النفس ومحبة العمل وبذل الجهد من أجل نيل الثمرة المستحقة، ونقول لهم بلسان مبين، اتقوا الله في الوطن؛ فإنه في أشد الاحتياج لشباب يمتلك الفكر القويم والمهارة المتفردة والوجدان الراقي الذي يخلق في النفوس عقيدة حب تراب هذا البلد الذي يسكن في قلوبنا جميعًا.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.

Trending Plus

اليوم السابع Trending

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى