الحنجرة البشرية من صدى الكهوف للبصمة الخاصة.. هل انقلب حلم تخليد الأصوات لكابوس؟

بدأت رحلة الإنسان مع تخليد صوته منذ العصور البدائية، عندما صرخ داخل أحد الكهوف هربًا من حيوان مفترس، فكان صدى صوته سببًا فى نجاته، من هنا، بدأ الإنسان يستخدم صوته للتعبير عن مشاعره، سواء بالضحك أو البكاء، ليؤنس وحدته.

فى هذه الأوقات المبكرة وحسبما تذكر الحضارات بدأ الإنسان يتعرف على الموسيقى، كانت البداية من الطبيعة من صوت العصافير والريح والشجر ثم وهب الله  الإنسان وعلمه كيف يصنع الموسيقى بيده، فنجد فى الحضارة المصرية القديمة أن الفضل يعود للمعبود تحوت فى اختراع الموسيقى، والتى يستخدمها أوزوريس دليلا على الحضارة والرقى فى العالم.

وعلى مدى الأزمنة صار الصوت هو الدال على الحرب والفرح فى الوقت نفسه، المهم هو السياق الذى يأتى فيه الصوت، فالناس إن خافوا وفزعوا صرخوا وأعلنوا الحرب ودقت الطبول، وإن فرحوا واستبشروا غنوا وعلا صوت الزغاريد.

وكانت الخطابة والقصائد الشعرية تشترط الصوت أيضا كى تؤدى دورها ومهمتها، وتقوم بتأثيرها الكبير فى العالم، ومن سمات الزعماء قديما أن يكونوا قادرين على التأثير الصوتى فى الجماهير، ومن هنا عرفوا قيمة الصوت وكيف يحافظون عليه ويقدرونه.

ومع مرور الزمن، وبتقدم العلم، استطاع الإنسان تسجيل صوته، ودعونا نتابع معًا كيف تطورت هذه التقنية حتى وصلنا إلى ما نعرفه اليوم بالبصمة الصوتية.

فى القرن التاسع عشر، ظهر أول الاختراعات لتسجيل الصوت، ففى عام 1857، ابتكر المخترع الفرنسى إدوارد ليون سكوت جهاز "الفونوتوغراف"، الذى كان قادراً على تسجيل الموجات الصوتية كرسوم بصرية على أسطوانة مغطاة بالسخام، ولكن لم يكن بالإمكان إعادة تشغيل الصوت المسجل.

ثم فى عام 1877، حقق توماس إديسون نقلة نوعية باختراعه "الفونوغراف"، الذى كان أول جهاز يمكنه تسجيل الصوت وإعادة تشغيله باستخدام أسطوانة معدنية مغطاة بالقصدير.

فى عام 1900، جاء إميل برلينر ليبتكر "الجراموفون"، الذى استخدم أقراصاً مسطحة بدلاً من الأسطوانات، مما ساهم فى تسهيل إنتاج وتوزيع التسجيلات الصوتية والموسيقى على نطاق أوسع.

أما فى العشرينيات من القرن العشرين، فقد شهدت تقنيات تسجيل الصوت قفزة نوعية بفضل تطوير الميكروفونات والتكنولوجيا الكهربائية، التى حسّنت من جودة التسجيلات الصوتية بشكل ملحوظ، وانتشرت آنذاك التسجيلات التجارية والراديو بشكل كبير.

فى الأربعينيات، خلال الحرب العالمية الثانية، ظهرت أشرطة التسجيل المغناطيسية فى ألمانيا، وقدمت جودة أفضل ومرونة أكبر فى التعديل والتحرير.

بحلول الثمانينيات، ظهرت الأقراص المضغوطة (CDs) لتحل محل أشرطة الكاسيت والفينيل، وقدمت تسجيلات بجودة صوت رقمية عالية.

فى التسعينيات، ومع تطور الحواسيب، ظهرت صيغة MP3، التى أحدثت ثورة فى تخزين وتوزيع الصوت، بفضل قدرتها على ضغط الملفات الصوتية دون التأثير الكبير على جودتها.

مع دخول القرن الواحد والعشرين، انطلق العصر الرقمى، حيث أصبح البث عبر الإنترنت (Streaming) والمنصات الرقمية الوسيلة الرئيسية لتوزيع الصوت والموسيقى، ومع ذلك، لم يتوقف التطور هنا؛ فقد بدأ الذكاء الاصطناعى يلعب دورًا فى تحسين جودة الصوت وتصنيفه، مؤسسًا لمرحلة جديدة فى تاريخ تسجيل الصوت.

أى أن رحلة الإنسان مع الصوت لم تتوقف عند ترديد الصدى فى الكهوف، بل تطورت إلى أن أصبحت البصمة الصوتية جزءًا من حياتنا اليومية.