"الصافرة الأخيرة".. اليوم السابع يُحقق فى ظاهرة الموت المفاجئ بالملاعب.. تدهور الطب الرياضى يدق جرس الإنذار.. وزارة الرياضة تنشئ ملفات رقمية.. و17 مركزا لإنعاش القلوب.. "ثغرات" فى الإسعاف.. واتحاد الكرة يرد

الطب الرياضي يحمل المسئولية لـ 3 جهات.. وأدوار مركبة للإدارة المركزية
3 ثغرات للتلاعب بـ"بند" الإسعاف.. وأصابع الاتهام تشير للمنشطات
إحصائية صادمة: رياضي من كل 45 ألف لاعب عُرضه للموت
داخل الملاعب، حيث حلم الشهرة، ووهج الأضواء، وشغف اللعبة الذي لا ينتهي، تخبئ كرة القدم قصصًا مؤلمة لا تُروى، فجأة يتحول الحلم الأخضر إلى كابوس أسود، ويسقط لاعب في مقتبل العمر، أو مدرب يحلم بالمجد، تاركًا خلفه أسرة حزينة وجماهير مصدومة، فيتناثر الحلم الكبير ويتبخر مع كل "جنازة" تخرج من الملعب إلى القبر مع صافرة الوداع، ساحبة خلفها الأماني والأحلام، وكثير من الجدل الذى يقتسم الأسباب ويفرق دم الضحية.
وبين ضغوط الطموح، وسيف الإهمال المسلط على الطب الرياضي، وجنون المنشطات التي تُزهق الأرواح في صمت، والأمراض الوراثية، تُروى الحكايات الموجعة لفصول لم تكتمل، فبعد كل صدمة، يعلو الغضب، وتملأ الاستنكارات الأفق، ثم يخفت الصدى سريعًا لتعود الحياة إلى روتينها المعتاد، تاركة خلفها عائلات مكلومة، وأحلامًا قُتلت قبل أن تُزهر، المشهد مكرر، والألم دائم، وكأننا عالقون في دائرة لا فكاك منها، تتنقل فيها الرياضة بين ملاعب صاخبة ومآتم صامتة.
هذه الوقائع المتعددة هي ما دفعت اليوم السابع من واقع مسئوليته المجتمعية، إلى فتح هذا الملف الشائك، نفتش فيه عن الأسباب، نرصد الحلول، ونحذر من المعطيات التي تقودنا إلى هذه النتائج المأساوية.
ملف ظاهرة الموت فى الملاعب
ضحايا بالجملة
تضم قائمة لاعبي كرة القدم والمدربين الذين توفوا أثناء ممارستهم اللعبة، العديد من الاسماء، بدأت في الألفية الجديدة من محمد عبد الوهاب لاعب الأهلي الذي رحل في عام 2006 تاركًا في قلوب الجماهير جرحًا لم يلتئم بعد، مرورًا باللاعب فاروق شريف محمد عكاشة من مركز شباب البدرشين بعد ابتلاع لسانه ولم تتواجد وقتها سيارات الإسعاف حسب مجرى التحقيقات التي تمت في حينها، وبعده، رحل أيضا اللاعب سعيد المصري من مركز شباب دقرن لنفس السبب، وانتقل الموت في الملاعب من الشباب إلى الفتيات وراحت اللاعب إسراء حسني لاعبة نادي الصيد الرياضي ضحية ابتلاع لسانها، ثم محمد فاروق بنزيمه لاعب الاتحاد السكندري السابق بأزمة قلبية، ومن اللاعبين إلى المدربين الواعدين حيث رحل أكرم حفيله من نادي فار سكور، والسبب كان جلطة مفاجئة في القلب، حتى أن عام 2021 شهد رحيل ثلاثة نجوم أولهم أدهم السلحدار مدرب المجد السكندري بأزمة قلبية ولحقه عبد الرحمن عاطف لاعب نادي القنايات، بسبب ابتلاع اللسان دون وجود إسعافات طبية أو سيارة للإسعاف، وبعدهم محمد هاني الكوري لاعب نادي السكة الحديد بسبب ابتلاع اللسان وعدم تواجد سيارة الإسعاف.
أشهر ضحايا الملاعب
تواصلت مآسي الرياضيين الراحلين بسبب أمراض القلب أو ابتلاع اللسان، حيث رحل كريم أبو قوره لاعب منتخب الجامعة الأمريكية بالقاهرة بسبب هبوط حاد في الدورة الدموية، وتبعه سامي سعيد لاعب نادي مطروح الرياضي بسبب ابتلاع اللسان وهبوط في الدورة الدموية ايضا، وحضرت الوقائع المأساوية في العام الماضي بواقعتين مريرتين الأولى كان لاعب نادي مودرن سبورت أحمد رفعت الذي عانى من أزمة قلبية وسقط على أرض الملعب بعد توقف عضلة القلب وفارق الحياة بعدها بأشهر قليلة، وكذلك محمد شوقي لاعب كفر الشيخ الذي عانى من توقف عضلة القلب وفارق الحياة بعدها بأربعة أيام تقريبا، وفي الشهر الماضي (يناير 2025) استقبلنا العام الحالي بضحية جديدة هو متولي حسين المدير الفني لنادي عمال المنصورة، إثر تعرضه لأزمة قلبية، خلال مباراة الفريق ضد طلخا.
ضحايا الملاعب
17 مركزا طبيا متخصصا و14 وحدة بالمحافظات
وكشف تقرير حصل عليه اليوم السابع، أن الهيكل التنظيمي لوزارة الشباب والرياضة المصرية يضم إدارة مركزية للطب الرياضي تتبعها مراكز ووحدات للطب الرياضي موزعة على المستوى المركزي والإقليمي في معظم محافظات الجمهورية (عدد 3 مراكز متخصصة للطب الرياضي وعدد 14 وحدة) في محافظات الجمهورية المختلفة، وجار إنشاء وتجهيز عدد 5 وحدات.
وتستمر جهود الوزارة فى توسيع هذه المراكز والوحدات على مستوى الجمهورية بالتنسيق مع الهيئات الرياضية لتغطية كل الاحتياجات الطبية للرياضيين.
وزارة الرياضة: ملفات طبية رقمية للرياضيين
من جانبه، كشف محمد الشاذلي المتحدث باسم وزارة الشباب والرياضة، أن الوزارة بدأت بالفعل في وضع الأسس لإنشاء ملفات طبية رقمية موحدة لكل رياضي، موضحا أن الهدف هو بناء قاعدة بيانات مركزية تُسجل فيها جميع الفحوصات، الإصابات، العمليات الجراحية، وخطط العلاج.
ويرى الشاذلي، في تصريحات لـ"اليوم السابع"، أن هذه الخطوة تُنفذ تدريجيًا بالتعاون مع الأندية والاتحادات الرياضية، موضحا أنه من المتوقع أن يتم الانتهاء من وضع هذه المنظومة في إطار خطة التحول الرقمي بحلول عام 2025.
وقال المتحدث باسم وزارة الرياضة، إن هذا المشروع يهدف إلى تمكين الأجهزة الطبية والفنية من الوصول الفوري لتاريخ اللاعب الطبي لضمان التدخل السريع عند الحاجة، وعن الدور الوزارة أكد أنها تُشرف على تطبيق معايير الطب الرياضي خلال المسابقات الرياضية من خلال، إلزامية الفحص الطبي الدوري لجميع اللاعبين المشاركين في المسابقات الوطنية والدولية فيخضعون لفحوصات طبية شاملة تحت إشراف المراكز والوحدات المتخصصة، وتواجد الطاقم الطبي المتخصص والتجهيزات الطبية حيث تُلزم الوزارة الأندية والاتحادات بتوفير فرق طبية مجهزة في كل المسابقات، وكذا توافر سيارات الاسعاف المجهزة واجهزة الصدمات الكهربية.
وأوضح الشاذلي أن الوزارة تهدف إلى التعاون مع الجهات الدولية: الوزارة تُنسق مع المؤسسات الطبية والرياضية الدولية لتطبيق أحدث بروتوكولات العلاج والوقاية، وكذلك تطوير لوائح السلامة الطبية مثل وجود الإسعافات الأولية، سيارات الإسعاف، وتأمين الرعاية الطبية داخل الملاعب أثناء المباريات.
أدوار مركبة للإدارة المركزية للطب الرياضي
كان السؤال المثير للاهتمام في هذا الملف هو، ما الإجراءات التي تتبعها الإدارة المركزية للطب الرياضي بوزارة الشباب والرياضة في هذا الملف؟ وهل هناك تأثير ملموس لعملها، وهو السؤال الذي أجاب عنه مصدر في الإدارة قائلا إن هناك مسئوليات تتضمن إجراء الفحوصات الطبية الإجبارية وهي الفحص الطبي الشامل قبل المنافسات لضمان لياقة اللاعبين وسلامتهم، وكذلك إنشاء مراكز تأهيل متخصصة في المحافظات بأحدث الأجهزة لتأهيل اللاعبين بعد الإصابات.
وأوضح لـ"اليوم السابع" أن الإدارة المركزية مهمتها أيضا متابعة المنشآت الرياضية عبر إجراء زيارات دورية للتأكد من تطبيق اشتراطات السلامة الصحية داخل المنشآت الرياضية، بجانب التدريب والتوعية من خلال عقد ورش عمل للكوادر الطبية العاملة والمدربين وكذا اللاعبين واولياء الامور في الأندية لتأهيلهم بأحدث أساليب العلاج والوقاية، والتعاون مع الوزارات المعنية مثل وزارة الصحة لتوفير كوادر طبية متخصصة تعمل جنبًا إلى جنب مع الهيئات الرياضية، وإدارة أزمات الإصابة بوضع خطط استجابة سريعة للإصابات الخطيرة أثناء المباريات، تشمل التعاون مع المستشفيات الكبرى لنقل الحالات الحرجة.
فضلا عن ذلك تقوم الإدارة بتنفيذ العديد من المشروعات القومية المستحدثة بناء على توجيهات أشرف صبحي وزير الشباب والرياضة، والتي لها عظيم الأثر في الارتقاء بمنظومة الطب الرياضي والخدمات المقدمة للرياضيين وهي (المشروع القومي المعد النفسي الرياضي، المشروع القومي أخصائي التغذية الرياضية، والمشروع القومي أخصائي التأهيل والقياسات).
مكافحة المنشطات: نعمل في جو ضبابي
من ناحيته، يرى الدكتور حازم خميس، رئيس مجلس إدارة المنظمة المصرية لمكافحة المنشطات، أهمية تطبيق نظام كشف المنشطات في الدوري المصري لضمان نزاهة المنافسات، محذرًا من أن غياب هذه الإجراءات يجعل البطولة "ملوثة".
وقال خميس، في تصريحاته لـ"اليوم السابع": إن المنظمة تعمل في جو ضبابي، خاصة أنها لم تحصل المديونيات الكبيرة لصالحها على اتحاد الكرة والتي تبلغ 12 مليون جنيه، ومع ذلك لم نتوقف عن سحب العينات، معربًا عن أمله في تسوية المديونيات مع المجلس الجديد للاتحاد برئاسة هاني أبو ريدة، وتقدير أدوار المنظمة وأهمية دورها في الكرة المصرية.
وشدد خميس على أهمية تعزيز الإجراءات الوقائية في الملاعب، مثل توفير عربات الإسعاف وأجهزة الصدمات اليدوية، لحماية اللاعبين في الحالات الطارئة، مستشهدًا بحالة لاعب كفر الشيخ محمد شوقي. الذى توفي قبل أسابيع، مؤكدا أهمية دعم المنظمة لضمان استمرار مكافحة المنشطات وتطبيق معايير النزاهة، مع تطوير البنية الصحية لحماية الرياضيين.
إحصائية صادمة: كم رياضي عرضه للموت؟
وأوضح الموقع أن الفيفا يطلب فحوصات طبية شاملة تشمل تخطيط القلب والفحوصات التصويرية للتأكد من سلامة اللاعبين قبل المنافسات، كما أن الدوري الإنجليزي الممتاز يفرض فحوصات دورية لكل اللاعبين في بداية مسيرتهم وخلالها، وهناك أيضا دورات تعليمية مكثفة مثل التي في الأرجنتين لتعليم الإنعاش القلبي الرئوي وتُظهر أهمية تدريب اللاعبين والمدربين على التعامل مع هذه الأزمات لإنقاذ الأرواح.
اتحاد الكرة يتبرأ من الأزمة.. وثغرة واضحة
لأن غياب سيارات الإسعاف من ضمن العوامل التي تساهم في زيادة حالات الوفاة للاعبين في مباريات كرة القدم تحديدا، فيبقى اتحاد الكرة ورابطة الأندية المسئولين عن تنظيم المسابقة أحد المتهمين في هذه الأزمة الكبيرة.
ودافع مصدر في اتحاد الكرة عن براءة الاتحاد قائلا إن وجود سيارة الإسعاف في مباريات كرة القدم واحد من الشروط الأساسية لبدء أي مباراة، موضحا أن لائحة المسابقات في مختلف درجات الدوري تشدد على أهمية هذا البند، ولا يتوجب بدء أي مباراة إلا بتواجد عربة الإسعاف في محيط الملعب على أن تكون مجهزة بكامل المستلزمات الطبية اللائقة للتعامل مع الحالات الخطيرة والحرجة.
"اليوم السابع" حصل على إخطار لائحة المسابقات للقسم الثاني والذي احتوى على ثغرات كبيرة، منها عدم تواجد اي شروط خاصة بعربة الإسعاف المنوط بها التواجد في محيط الملعب، ما يسمح بالتلاعب وتواجد سيارات مشابهة يقتصر دورها على نقل الحالة وأحيانا كثيرة تواجدت سيارات لنقل الموتى لتقوم بدور سيارات الإسعاف.
الثغرة الثانية أن لائحة اتحاد الكرة نفسها بها خلل كبير، وهي أن تواجد السيارات الخاصة بالإسعاف ليس شرطا لبدء أي مباراة، بل يكفي أحيانا أن يحضر إداري الفريق الضيف إيصالا يؤكد حجز السيارة قبل المباراة، وهذا بند يسمح بالتلاعب بين الإداري وأي مستشفى بها عربة إسعاف.
الطب الرياضي: 3 جهات مسئولة عن الظاهرة
انتقد أسامة غنيم استشاري الطب الرياضي وإصابات الملاعب وخبير مكافحة المنشطات، فكرة تهميش الملف الرياضي في الأندية والاتحاد، موضحا أن وجود ملف طبي لكل لاعب يكشف التاريخ المرضي له هو مسئولية مشتركة بين الاتحاد المسئول عن اللعبة والنادي التابع له، وقبلهم وزارة الشباب والرياضة باعتبارها الجهة الإدارية المسئولية عن متابعة الأصحاء من الرياضيين، أمام وزارة الرياضة فدورها يأتي في مرحلة لاحقة باعتبارها منظومة تتعامل مع المرضى.
ورفض غنيم في تصريحاته لـ"اليوم السابع" توصيف حالة الوفاة للاعبين ببلع اللسان قائلا: "لا يوجد في التوصيف الطبي حالة تسمى بلع لسان، لا يستطيع الإنسان في أي وضع تشريحي أن يبتلع لسانه، لكن هناك ما يسمى بارتخاء عضلة اللسان ما يسمح ببلعه، وهي حالة طبية في المقام الأول، ولو تم إجراء فحص طبي للاعبين كل ثلاثة أشهر كما يحدث في الخارج لن نجد مثل هذه الحالات".
وواصل استشاري الطب الرياضي: "في 2006 رحل لاعب الأهلي محمد عبد الوهاب، وبدلا من مواجهة الحالة وتفنيد أسبابها لجأنا إلى شائعات وتوصيف خاطئ بأن اللاعب كان يعاني من عيب خلقي في القلب، هذا غير صحيح، اللاعب قبلها بأيام كان يلعب في كأس العالم للأندية وأجرى فحوصات طبية على القلب، ولكن ما حدث أن اللاعب كان يعاني من ضعف في أوردة المخ".
وأكمل: "يجب أن يكون هناك ملف طبي لكل لاعب في أي ناد وأي رياضة، يتضمن هذا الملف الحالة المرضية للاعب وتاريخها، ويتضمن توصيف فسيولوجي وطبي لحالته، وقياسات دقيقة، تسمح لأي لاعب أن يؤدي التدريبات البدنية المناسبة لكتلته العضلية، بدلا من معايشة كل هذه الأزمات من الإصابات وحالات الوفاة، فيكون التعامل مع كل لاعب على حسب حالته، بدلا من تطبيق تدريبات بدنية وفنية على كل اللاعبين دون قياس لمدى قدرة كل لاعب على التحمل".
Trending Plus