حادثة المروحة.. هل كانت السبب الحقيقى لاحتلال الجزائر

المواقف الصغيرة قد تُشعِل حروبًا كبيرة، والتاريخ شاهد على ذلك، فجسّاس قتل كُلَيْبًا لأنه قتل ناقة خالته البسوس، ومن هنا اشتعلت الحرب بين القبيلتين لأكثر من 40 سنة، وسواءٌ كان قتل الناقة خطأً أو عمدًا، لكنه ليس سببًا كافيًا لإشعال الحرب، لنقفز معًا بالتاريخ إلى العصر الحديث، ونذكر موقفًا آخر، موقفٌ تسبّب في احتلال إحدى الدول العربية، لمدة 132 سنة، والذي عُرِف بحادثة المروحة.
في الـ29 من أبريل عام 1827، زار القنصل الفرنسي بيار دوفال، الداي حسين حاكم الجزائر، لتهنئته بعيد الفطر، لينتهزها الرجل فرصة، ويسأل عن موعد سداد ديون فرنسا المستحقة للجزائر، والمقدرة بـ24 مليون فرانك، كانت الجزائر قد منحتهم لفرنسا، خلال الحصار الذي فُرِض عليها من أوروبا، بعد الثورة الفرنسية، وسأله عن سبب تجاهل الحكومة الفرنسية لرسائله، فأجاب القنصل بأنه أقل من أن ترد عليه الحكومة، فما كان من الداي حسين إلا أن طرده، ولوّح له بمروحته، أو لطمه بها -كما تذكر بعض المصادر-.
ويبدو أن القنصل الفرنسي كان يُسيء التعامل مع الداي من قبل، إذ كتب الداي شكوى إلى الخارجية الفرنسية قبل عام من تلك الحادثة، ومن الواضح أن القنصل كان يتعمد استفزاز الرجل وإثارة حفيظته، إذ خطط مع إحدى الشركات اليهودية المسئولة عن التبادل التجاري بين البلدين لاستفزاز الداى حسين وافتعال أزمة بين الحكومتين، وهذا ما حدث.
إذ أرسل القنصل برقية إلى حكومته، يُبلِغهم فيها بما حدث، وبالطبع عمِل على تضخيم الموقف، لإثارة البلبلة، لذا لم يرقْ هذا الإدارة الفرنسية، وطالبت الداي بالاعتذار خلال 24 ساعة، ورفع الراية الفرنسية على الراية الجزائرية، فلم يكن من الرجل إلا الرفض.
وفي الـ12 من يونيو من نفس السنة، أرسل شارل العاشر إحدى قطع الأسطول البحري الفرنسي، ليُطالبوا الداي حسين بالاعتذار مجددًا، لكنه رفض، ليبدأ حصار الجزائر 3 سنوات، انتهت باحتلال الجزائر، في الـ14 من يونيو عام 1830.
وفي الحقيقة هو سبب غير منطقي لشنِّ الحرب على الجزائر، فالرجل المهان أصلاً كان الداي حسين، وليس مسيو دوفال، ثم إن طرد القنصل الفرنسي لم يكن شيئًا غريبًا، فقد سبق لداي الجزائر أن طرد قنصل فرنسا في عهد لويس الخامس عشر، والأدهى أن مبعوث هنري الرابع الخاص كاد أن يقتل في الجزائر، دون أن تُحرِّك الإدارة الفرنسية ساكنًا، والأشد من ذلك محاصرة السفينة الجزائرية للميناء الفرنسي سان تروبيه بالقرب من تولون عام 1802، واستيلائها على الكثير من العتاد والأجهزة الفرنسية حتى استشاط نابليون غضبا، قائلا: "إنها لفضيحة للجمهورية"، فلماذا إذًا تغاضت فرنسا عن تلك الحوادث، ولم تتحرك إلا عندما لوّح الداي حسين للقنصل بمروحته؟
لأنها ببساطة كانت على علم بثروات الجزائر، -وفقًا لحملاتها التجسسية على البلاد، ولأن الجزائر كانت في مواقف قوة، أما في تلك الفترة، كانت الجزائر أضعف من أيِّ وقت مضى، صحيح أنَّ الجزائريين تصدوا لفرنسا طويلاً، لكن حكومتها كانت ضعيفة.
وسبب آخر سعت إليه فرنسا، هو تنصير شمال أفريقيا، لذا أقامت مركزًا للتنصير فور استيلائهم على الجزائر.
Trending Plus