حسبة عمري.. وفضيلة طرح الأسئلة

منذ فترة طويلة لم نحظ بموسم للدراما الرمضانية بهذا القدر من الجدية والفنية العالية، وربما يمكن لنا اعتبار هذا الموسم بداية جديدة لأعمال تتماس مع الواقع وتشتبك معه، وتقدم صناعة عالية الجودة وجريئة في الوقت نفسه، مما يعلي من سقف التوقعات في الفترة القادمة التي نرجو ألا تركز فقط على دراما رمضان بل تهتم بهذه النوعيات من الإنتاج على مدار العام.
وربما كان مسلسل حسبة عمري واحدا من تلك الأعمال التي استطاعت بحرفية عالية أن تشتبك مع قضايا اجتماعية تخص المرأة ودورها المهم وواجباتها وحقوقها في المجتمع وداخل مؤسسة الزواج، خاصة عندما تختار طواعية، أو بحكم الظرف الاجتماعي أن تتنازل عن حقها في العمل وفي الاستقلال المالي، وهو الأمر الذي يتوجب النظر معه إلى طبيعة التغيرات الاجتماعية ومواكبتها، سواء على مستوى العرف أو على مستوى صياغة القوانين التي تحكم هذه الأمور.
وأيا كان الرأي النهائي في هذا الأمر فإن مجرد طرح مثل هذه التساؤلات هي في ذاتها جرأة كبيرة لم تدّع تقديم إجابة نهائية أو حل أخير، لكنها نبهت إلى بعض الجوانب التي يجب على المتخصصين الوقوف عليها ومناقشتها، وربما بدا النجاح الحقيقي للمسلسل في إثارته لما يشبه الحوار المجتمعي حول القضية، بما يجعل من عرض المسلسل مرة أخرى في غير زحام هذا الموسم أمرا ضروريا لاستمرار مثل هذا الحوار.
من ناحية أخرى فقد كان مشهد الحوار الذي أقامته بطلة العمل (روجينا) مع أحد المتخصصين (عبد العزيز مخيون)، وهو المشهد الذي أجاب فيه الرجل مرتين إحداهما في أثناء التسجيل والآخر خارجه، إجابتين متناقضتين، إحداهما للنشر والأخرى هي تعبير عن قناعته الشخصية، أمر يجب الوقوف عليه جليا، وجرأة في طرح فكرة الازدواجية الممكن وجودها داخل هذا السياق، وهي الازدواجية التي تنتج عن مجرد فكرة الاتباع الكامل للأعراف حتى لو كانت مناقضة لمنطق التغير والتحول، وهو ما يعكس إعلاء العرف حتى لو كان مؤقتا على القانون الأكثر ثباتا.
أيا كان الأمر، وأيا كانت نتيجة ذلك الحوار، فإن مجرد الطرح يعكس أفقا مفتوحا يجب الإفادة منه واستثماره، بل العمل على زيادة مساحته حتى يصبح التماس مع القضايا الحقيقية للمجتمع واحدا من الاهتمامات الأساسية للأعمال المماثلة.
تحية لفريق العمل في هذا المسلسل الذي قدم قضية مهمة في ثوب فني رائق وخصوصا بطلي هذا العمل عمرو عبد الجليل وروجينا اللذين خرجا بحرفية من دائرة أدوارهما المعتادة في السنوات الأخيرة إلى أفق رحب وحساس.
Trending Plus