إيطاليا.. هل هى شأن مصرى؟

فى مدينة مطوبس بمحافظة كفر الشيخ حلم الشباب هو السفر للعمل فى إيطاليا، حتى أن العديد منهم مستعد أن يدفع الكثير من أجل هذا، لكن على الجانب الآخر لم يجرى نشر تعليم اللغة الإيطالية فى المدينة أو حتى تهيئة هؤلاء للحياة فى إيطاليا، وهو ما يعكس فقدان الرؤية، كانت البدايات فى السبعينيات من شباب كانوا يذهبون للعمل فى الصيف ويعود معه مال من كسب يده، وبمرور الوقت شكل المطابسة جالية فى إيطاليا، فهل إيطاليا شأن مصرى؟
فى حقيقة الأمر منذ عقود مبكرة وإيطاليا شأن مصر خاص ومصر بالنسبة لإيطاليا شأن خاص له قيمة ممتدة فى عمق التاريخ، لا يعلم كثيرون أن اللغة الإيطالية كانت هى اللغة الأكثر تحدثا فى الإسكندرية حتى نهاية القرن 19، حتى إن العديد من الكلمات الإيطالية تغلغلت فى العامية المصرية، وكان الخواجة الإيطالى هو الشخصية المفضلة للتعاملات التجارية، فمصر شهدت تدفق إيطاليين للعمل بها منذ عصر محمد على، ولم يعد وجودهم الكثيف مقصورا على الإسكندرية بل امتد لكامل التراب المصرى، هذا يعود بنا لحقبة سيطرة روما على مصر بسبب سقوط الدولة البطليمة ومقتل كيلوباترا، فمنذ تلك العصور والجالية الإيطالية حاضره فى مصر.
اليوم صار الوضع عكسيا بسبب ازدهار إيطاليا وتقدمها وجاذبيتها، بل ولقربها من مصر، لكننا لم نوجه جهدنا لكى ندرس وضع المصريين فى إيطاليا، وإبراز نماذج ناجحة منهم، فعلى سبيل المثال الدكتور وائل فاروق يمثل نموذجا ناجحا فهو أستاذ جامعى مرموق فى الجامعة الكاثوليكية فى ميلانو ويكتب مقالات فى الصحف الإيطالية وصدرت له كتب باللغة الإيطالية، ويعد اليوم من أبرز النخب المثقفة فى إيطاليا بسبب دوره فى الحوار الثقافى المتعدد الأطراف، وهناك شباب مصرى فى كل القطاعات ناجح ويقدم نماذج مشرفة.
إن الحقيقة المره تأتى من أن مصر لم تدرس هذه الظاهرة ولم تقدم رؤيتها لمستقبل المصريين فى إيطاليا، وماذا تريد إيطاليا من المهاجرين، وكيف نساعد هؤلاء على الاستقرار وتحقيق نفع مشترك للبلدين، وما الذى يجعل المصرى مفضلا فى إيطاليا؟ وهل إيطاليا تريد عمالة مؤقتة أم دائمة ؟
كانت هناك محاولة لتدريب يد عاملة مصرية لسد فراغات فى إيطاليا ولكنها لم تستمر، والأفضل فى هذا السياق هو مسح شامل للاحتياجات الإيطالية حتى يصبح المصريون لهم الأفضلية، كل هذا مهم إذا راعينا أن إيطاليا تعانى من تراجع ديموغرافى يهدد سكان إيطاليا بالتراجع الشديد.
إن إلقاء نظرة على محاولات إيطاليا معالجة الخلل السكانى وانخفاض السكان ، سيكشف لنا عن الكثير الذي يجب أن نلم به، فمن ذلك أن الأمريكيين من سكان أمريكا الجنوبية من ذوي الأصول الإيطالية، والذين سعوا للحصول علي الجنسية الإيطالية، يحصلون علي الجنسية ليس بهدف الاستقرار في إيطاليا لكن بهدف استخدامها للاستقرار في دول أخرى، وهذه القضية أثارت الحكومة الإيطالية والتى بدأت فى الحد من منح الجنسية لذوى الأصول الإيطالية.
فضلا عن ذلك فإيطاليا بحاجة للأطباء، والشباب المصري من الأطباء لا يرون إيطاليا جيدا على خريطة الهجرة لديهم بسبب تفضيلهم ألمانيا والولايات المتحدة وبريطانيا، والأمر نفسه ينطبق على مجال المهندسين، وهذا سببه بصورة أساسية اللغة الإيطالية، وكذلك المهندسين الزراعيين والمختصين في الزراعة، فإيطاليا لا تطلب مزارعين تقليديين بل مزارعين يجيدون أشياء بعينها مثل من لديهم مهارات خاصة لزراعة الطماطم الكثيفة ورعاية أشجار الزيتون والخوخ والكيوي وغير ذلك، لذا فإن تأهيل مزارعين للعمل في هذه المجالات المتخصصة يجعل فرصهم في إيطاليا عالية، هذا ما يجب دراسته من قبل مصر وإعداد طلاب المدارس الثانوية الزراعية لهذا مع تعليمهم اللغة الإيطالية، وهذا إذا ما تم من الممكن أن يكون ملف جيد لو طرح علي الحكومة الإيطالية كملف لعمالة تسافر لفترات مؤقتة بعقود محددة سيوفر الآلاف من فرص العمل لشبابنا، ولكن لكوننا لا ندرس ولا نخطط، فنهدر الفرص.
إيطاليا فى المخيلة المصرية لشبابنا الطموح قد تكون بلدا محفزا لهم، لكن علينا أن نساعدهم أن يصلوا سالمين أن ننظم حركتهم، ومن الممكن أن يكون وجودهم مؤقتا وليس هجرة دائمة، وهذا ما يعنى ترحيبا بهم من قبل إيطاليا.
Trending Plus