سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 8 أبريل 1970.. جريمة إسرائيلية بطائرات فانتوم أمريكية على مدرسة «بحر البقر» الابتدائية واستشهاد 30 طفلا وإصابة 31.. وتل أبيب تزعم أنهم أعضاء بمنظمة تخريبية

كانت الساعة التاسعة و20 دقيقة صباح 8 أبريل، مثل هذا اليوم، 1970، حين كان تلاميذ مدرسة «بحر البقر» الابتدائية بمحافظة الشرقية يواصلون تلقى دروسهم، وفجأة أمطرتهم إسرائيل بطائرات فانتوم أمريكية بالصواريخ والقنابل، لتدفن الصغار الذين تتراوح أعمارهم بين السادسة والثانية عشرة فى جحيم من النيران تحت الأنقاض، وفقا لما تذكره الأهرام فى مانشيتها الرئيسى يوم 9 أبريل 1970، ووقعت هذه الجريمة البشعة بعد أقل من شهرين من جريمتها بضرب مصنع «أبو زعبل» بمحافظة القليوبية، واستشهد 89 عاملا وأصيب مثلهم، أما جريمة «بحر البقر» فتذكر الأهرام، أن 30 طفلا قتلوا، وأصيب 31 آخرون بجراح، عدد غير قليل منهم حالته خطيرة، بالإضافة إلى قتل عامل فى المدرسة، وإصابة 10 غيره.
تضيف الأهرام: «وقعت الغارة فى التاسعة و20 دقيقة صباحا على المدرسة المشتركة التى تقع فى قرية الصالحية رقم 2، وتبعد عن الزقازيق بنحو 110 كيلومترات، وتتبع مركز الحسينية، والمدرسة دور واحد، يضم 3 فصول، غير حجرة الإدارة، وعدد تلاميذها 120 تلميذا، وفى هذا اليوم كان حاضرا 89 تلميذا فقط، وتقع المدرسة فى عزبة تضم فلاحين مهجرين لزراعة الأراضى المستصلحة، ومحاطة بالحقول، وليس حولها أى هدف عسكرى».
تؤكد الأهرام: «المدرسة مبنية منذ عامين (1968) بالأسمنت المسلح، وأصابتها 5 قنابل وصاروخان ونُسفت عن آخرها، واستشهد فى الحال 19 تلميذا تحت الأنقاض، بينما نقل الباقى إلى مستشفى الحسينية المركزى مصابين بحروق خطيرة وكسور، وتوفى منهم فور الوصول إلى المستشفى 11 تلميذا وأحد المدرسين، ليرتفع عدد الشهداء إلى 30 تلميذا ومدرس واحد، أما المصابون فبينهم 12 فى حالة خطيرة»، وتضيف الأهرام: «أصيبت فى الغارة مخازن المؤسسة المصرية لاستصلاح الأراضى، التى تضم الوقود وقطع الغيار والمهمات الزراعية، كما أصيبت عشرة منازل».
تقول الأهرام، إن أكثر من 50 من ممثلى وسائل الإعلام العالمية انتقلوا لمشاهدة آثار الجريمة بأنفسهم، يرافقهم الدكتور عصمت عبدالمجيد رئيس هيئة الاستعلامات «وزير الخارجية فيما بعد» والدكتور فؤاد محيى الدين محافظ الشرقية «رئيس الوزراء فيما بعد»، وقضوا 4 ساعات فى مكان الغارة، وزاروا المستشفى، والتقوا الأطفال المصابين، وتحدثوا مع ثلاثة منهم عن طريق مترجم، ومن شدة تأثرهم لم يستطع الصحفيون الأجانب مواصلة الحديث مع الآخرين. وتضيف الأهرام، أنه بمجرد خروج أول أنباء من القاهرة عن هذه الجريمة فى الساعة الثالثة بعد الظهر، أعلن متحدث عسكرى فى تل أبيب أنهم «يحققون فى الأمر»، وبعد أكثر من ساعة عاد المتحدث ليقول فى تبجح غريب أن الطائرات الإسرائيلية «لم تضرب غير أهداف عسكرية فى غارتها على الأراضى المصرية»، وصدر هذا البيان فى وقت كان فيه الصحفيون الأجانب يشاهدون آثار الجريمة، ولما ألح المراسلون الأجانب فى تل أبيب بسؤال المتحدث الإسرائيلى عن البيان الرسمى المصرى، عاد المتحدث يردد فى صلافة: «لقد التزم الطيارون الإسرائيليون بالدقة فى ضرب الأهداف العسكرية وحدها».
أحدثت الجريمة دويا عالميا وإدانات واسعة، فلجأت إسرائيل إلى محاولة مفضوحة لإخفاء جريمتها، وتذكر الأهرام فى عددها يوم 10 أبريل 1970، أن موشى ديان وزير الدفاع الإسرائيلى، سارع إلى راديو تل أبيب ليزعم فى إصرار وقح «أن المدرسة هدف عسكرى»، ثم استدعى المتحدث العسكرى الإسرائيلى مراسلين لصحف عالمية وعرض عليهم صورا مزورة، ادعى أنها الهدف العسكرى الذى ألقيت عليه الصواريخ والقنابل، وأذاع راديو إسرائيل أن الأطفال المصابين كانوا يرتدون زيا أخضر اللون، وكانوا يجرون تدريبات خاصة فى المدرسة، ثم قال فى إذاعة باللغة العبرية «إن التلاميذ الصغار أعضاء فى منظمة تخريبية عسكرية».
فى 10 أبريل 1970 نشرت الأهرام قصيدة الشاعر صلاح جاهين «الدرس انتهى»: «الدرس انتهى لموا الكراريس/ بالدم اللى على ورقهم سال/ فى قصر الأمم المتحدة/ فيه مسابقة لرسوم الأطفال/ إيه رأيك فى البقع الحمرا/ يا ضمير العالم يا عزيزى/ دى لطفلة مصرية وسمرا/ كانت من أشطر تلاميذى/ دمها راسم زهرة/راسم راية ثورة/راسم وجه مؤامرة/ راسم خلق جبارة/ راسم نار/راسم عار/ع الصهيونية والاستعمار/ والدنيا اللى عليهم صابرة/وساكتة على فعل الأباليس/الدرس انتـهى لموا الكراريس/إيه رأى رجال الفكر الحر/فى الفكر ادى المنقوشة بالدم/ من طفل فقير مولود فى المر/ لكن كان حلو ضحوك الفم/دم الطفل الفلاح/ راسم شمس الصباح/ راسم شجرة تفاح/ فى جناين الإصلاح/ راسم تمساح/ بألف جناح/ فى دنيا مليانة بالأشباح/ لكنها قلبها مرتاح/وساكتة على فعل الأباليس/الدرس انتـهى لموا الكراريس /إيه رأيك يا شعب يا عربى/ إيه رأيك يا شعب الأحرار/دم الأطـفال جايلك يحبى /يقول انتقموا من الأشـرار/ ويسيل ع الأوراق/يتهجى الأسماء/ويطالب الآباء/بالثأر للأبناء/ويرسم سيف/ يهد الزيف/ويلمع لمعة شمـس الصيف/فى دنيا فيها النور بقى طيف/ وساكتة على فعل الأباليـس/ الدرس انتهى لموا الكراريس».
Trending Plus