الغراب فى الحضارات.. الطائر بين المقدس والمدنس

الكائنات كلها أمم مثلنا، ومن أغربها وأقدمها الغراب، خاصة أن له ميراثا فى التراث الدينى والشعبى، منذ قتل قابيل أخاه هابيل، مرورا بسفينة نوح وما تلاها، لذا دعونا نسأل كيف نظرت له الحضارات القديمة.
ونعتمد على كتاب "الغراب التاريخ الطبيعي والثقافي" لـ بوريا ساكس، والذي يقول فيه:
كانت الغربان دائما مخلوقات متطرفة في الخيال البشري، فهي لعوب ووقور، فوضوية وواضحة مقدسة ومدنسة. إن العديد من الغربان سوداء بالكامل ولكن الأساطير عبر العالم تخبرنا أنها كانت بيضاء فيما مضى، وكان الشرق الأدنى دائماً مسرحاً لأحداث كبيرة عن الخير والشر والبهجة وسوء الحظ وكما هو متوقع، كان للغربان غالباً دور مهم.
يحتوى الإنجيل على الكثير من الكلمات العبرية ومنها أوريف وهي تشير للكثير من أنواع الغربان وقد تكون مشتقة من كلمة إريف والتي تعني "المساء" لأن اللون القاتم للغربان يشبه لون نهاية اليوم، يقوم الشعر، إن لم يكن العلم، بتحديد الإشارات الواردة في الإنجيل لطيور مثل الغربان بجمالها البسيط والمرعب في وقت واحد.
وتعود قصص الغربان في الشرق الأدنى إلى ما قبل النصوص المقدسة لليهودية والمسيحية، وفي الملحمة البابلية المكتوبة بالخط المسماري عن الملك نارام سن والتي عثر عليها في مكتبة الملك آشور بانيبال، ورد ذكر لرجال برؤوس كالغربان قدموا للغزو من جبال الشمال. وقد ظن الملك في البداية أنهم قد يكونوا شياطين ولكنه اكتشف أنهم ينزفون مثل البشر وربما يكون الغزاة محاربين يرتدون خوذاً مزودة بقطع واقية على الأنف على شكل مناقير الغربان.
وغالبا ما تظهر الغربان فى مصر وهى تتغذى على الجثث، وبشكل أقل وهي تقتات على الأجساد المنتشرة في ساحة المعركة. وتبدو متوحشة، عادة في شكل يمكن تحمله، وتكاد تكون بشرية ولكنها على عكس طائر أبو منجل أو الصقر مثلا، ليست سماوية على الإطلاق، إن البرديات الساخرة التي عثر عليها في تورين وتعود إلى عصر الرعامسة تتضمن صورة غراب يصعد سلما إلى شجرة تين بجناحين مبسوطين في الوقت الذي يجمع فيه فرس النهر سلة من التين من أغصانها.
واحتفظ المصريون بالعديد من السجلات الدقيقة لتعاملاتهم التجارية ولكنهم كتبوا القليل جداً عن أساطيرهم، ونحن نعلم قصص آلهتهم في المقام الأول من خلال تقارير اليونانيين والرومان.
الغراب
ووفقا لحور أبولو الكاهن المصري اليوناني من القرن الثالث قبل الميلاد، كان الغراب رمزاً مهماً في مصر، وإن لم يكن ذلك بالضرورة مرتبطاً بالدين، مثلت الغربان الحب المخلص، لأنها وكما لاحظ أهل العالم القديم بدقة، طيور أحادية الزواج، وكتب حور أبولو أنه عندما كان المصريون يرغبون بإظهار الوحدة بين آريس، إله الحرب، وأفروديت، إلهة الحب، كانوا يرسمون غرابين، لأن الغراب دائماً ما يضع بيضتين يفقس منهما ذكر وأنثى يعيشان معاً طيلة حياتهما، ويشرح حور أبولو في كتاباته أنه أحياناً يفقس ذكران أو انثيان معاً فهما محكومان بحياة العزوبية ولهذا السبب فإن مشهد الغراب الوحيد يعد نذير شؤم .
ولكن زوجا من الغربان يرمز إلى الزواج في حين ترمز الغربان الصغيرة إلى القلق وعدم الاستقرار بما أن الغراب الأم تطعم صغارها على جناحها.
Trending Plus