الهجن تتألق فى العريش.. مهرجان تراثى فى شمال سيناء يفتح أبواب السياحة وينعش ذاكرة أرض الفيروز.. الفعاليات بمضمار العريش أطول ميدان للهجن فى مصر.. عروض من السباقات شاركت فيها الإبل العربية الأصيلة

عادت الهجن لتتألق علي رمال العريش بسرعة وأناقة، في مشهد تراثي يأسر القلوب، ضمن مهرجان رياضي تراثي وسياحي حمل الرقم خمسة، بمناسبة الاحتفال بالعيد القومي لمحافظة شمال سيناء ومرور ثلاثة وأربعين عامًا على تحرير الأرض وجلاء الاحتلال الإسرائيلي. عادت الهجن لتعلن أن الحياة قد عادت بكل ألوانها إلى هذه الأرض، وأن هدير الإبل عاد يملأ الفضاء في لحظة احتفائية تعكس روح البداوة ومجد تراث أصيل لأهل سيناء.

شهد ميدان سباقات الهجن على ساحل العريش تجمعًا فريدًا لملاك الإبل ومحبي رياضة الهجن من مختلف محافظات الجمهورية، حيث شارك أكثر من 313 جملاً من مختلف الأعمار في منافسات امتدت ليومين، وتوزعت على 19 شوطًا مليئة بالحماسة والإثارة. وتوجت الفعالية بتوزيع الكؤوس والجوائز على الفائزين من قبل محافظ شمال سيناء اللواء الدكتور خالد مجاور، الذي أكد أن المهرجان هو وجه من وجوه عودة الحياة لطبيعتها في شمال سيناء، بعد سنوات من التحديات الأمنية التي عاشتها المنطقة، مشيرًا إلى أن ما تشهده العريش اليوم هو رسالة أمل وسلام من أهل سيناء إلى كل ربوع الوطن.

وأكد الشيخ عيد حمدان، رئيس الاتحاد المصري للهجن، أن المهرجان يعكس الاهتمام الكبير الذي توليه الدولة لرياضة الهجن، والتي تمثل جزءًا أصيلاً من التراث البدوي المصري والعربي، لافتًا إلى أن الدعم الذي تتلقاه الرياضة من القيادة السياسية ووزارة الشباب والرياضة ساهم في استعادة حضورها في ميادين سيناء من جديد، وجعل من مهرجان العريش مناسبة وطنية تراثية ينتظرها الجميع.

وقال الدكتور مهدي سالم، أحد المنظمين والمتخصصين في  تنظيم سباقات الهجن، إن مهرجان هذا العام يحمل طابعًا خاصًا كونه المهرجان الخامس الذي يُنظم منذ إعادة افتتاح نادي الهجن بعد استقرار الأوضاع الأمنية، مؤكداً أن عودة النشاط بانتظام تعني أن العريش باتت آمنة مستقرة، قادرة على استقبال زوارها ومحبيها من كل مكان، مشددًا على أهمية هذه الرياضة فى تعزيز الهوية الثقافية وتعميق روابط الانتماء بين أبناء البادية.

ولا يخفى على أحد أن نادي الهجن في مدينة العريش يُعد من أبرز معالم التراث البدوي في مصر، بل هو الأول من نوعه في البلاد، حيث تأسس عام 1997 ليكون مركزًا لاحتضان رياضة الهجن وتنظيم السباقات المحلية والدولية، وقد لعب دورًا محوريًا في توطيد العلاقات الثقافية بين مصر والدول العربية، إذ شارك فيه  خلال سنوات مجده متسابقون من السعودية والإمارات والكويت والأردن   وقطر وليبيا والسودان وغيرها، لكن النادي لم يسلم من تداعيات سنوات الحرب علي الإرهاب التي مرت بها شمال سيناء، فقد أُغلقت أبوابه وتعرضت منشآته للتخريب والسرقة، حتى غابت الهجن عن مضمارها  لنحو 14 عاما من عمر الزمان.

غير أن الإرادة التفيذية والشعبية لم تنطفئ، إذ طالب أهالي سيناء، وخاصة ملاك الإبل، بإحياء النادي وإعادة الحياة إلى الميدان الذي كان يومًا موئلاً  لإهل الإبل من ملاك ومضمرين ومحبين لهذه الرياضة، فجاء القرار الحكومي في عام 2022 بإعادة تأهيل نادي الهجن بالعريش، وتم تنفيذ خطة تطوير شاملة شملت بناء المضمار الأساسي بطول 8 كيلومترات وعرض 20 مترًا، ليصبح الأطول في مصر، إلى جانب رفع كفاءة المباني الإدارية، وتجهيز المنصة الرئيسية، وإنشاء صالة كبار الزوار، وتحسين البنية التحتية للنادي بما يتناسب مع المعايير الدولية، فضلًا عن تمهيد الطرق المؤدية إليه وتزويدها بأعمدة إنارة حديثة لتوفير بيئة آمنة ومريحة للزائرين والمتسابقين على حد سواء.

ويمتد موقع النادي على مساحة شاسعة مما يمنح المتسابقين والجماهير أجواء رحبة ومثالية لمتابعة السباقات، كما أنه يتمتع بموقع استراتيجي قريب من شاطئ العريش، حيث الفنادق والشاليهات السياحية، مما جعله مهيأً ليكون وجهة رئيسية للسياحة التراثية، وساهم في تنشيط الحركة الاقتصادية بالمدينة، إذ أصبح المهرجان مناسبة تجارية واجتماعية وثقافية تستفيد منها جميع فئات المجتمع، من أصحاب الإبل إلى صناع الحرف البدوية وبائعي المنتجات المحلية.

وكان عام 2022 نقطة التحول الفعلية، حيث أُقيم أول مهرجان كبير بعد توقف دام 14 عامًا، بمشاركة 360 جملاً من مختلف المحافظات، وحظي الحدث بحضور جماهيري واسع، ليشكّل انطلاقة جديدة للدورات المنتظمة التي تُقام في مناسبات وطنية مهمة، مثل ذكرى نصر أكتوبر وتحرير سيناء، إلى جانب تنظيم سباقات تنشيطية دورية تهدف إلى تأهيل المتسابقين ونشر ثقافة الهجن بين الأجيال الجديدة.

ولعل ما يميز هذه الفعاليات في العريش أنها لا تقتصر على الجانب الرياضي فقط، بل تتجاوز ذلك إلى كونها احتفالاً شاملاً بالتراث البدوي، حيث تصاحب السباقات فقرات فنية وعروض فلكلورية ومجالس سمر بدوية تضفي على المكان أجواء من الأصالة والحيوية. كما تُعرض المنتجات اليدوية مثل السجاد البدوي والمشغولات الجلدية، إلى جانب الأكلات الشعبية التي تشتهر بها قبائل سيناء، مما يجعل المهرجان تظاهرة ثقافية وسياحية متكاملة.
ولا شك أن إعادة إحياء نادي الهجن في العريش، بدعمه الرسمي والشعبي، يمثل إنجازًا مهمًا في ملف التنمية المستدامة والتراث الثقافي، إذ استطاع أن يحوّل ميدانًا مهجورًا إلى مركز إشعاع حضارى وسياحي، يساهم في تحسين صورة سيناء، وجذب الاستثمارات، ودعم الاقتصاد المحلي من خلال السياحة والمهرجانات.

إن عودة الهجن للركض على رمال العريش ليست مجرد سباق، بل هي رمز لانتصار الإرادة على التحديات، وإعلان لبدء مرحلة جديدة من الأمن والاستقرار والبناء في شمال سيناء.