طفل تحت العربية وحلمه فوق السحاب.. محمود أصغر ميكانيكى فى الشرابية يعيل أسرة ويحلم بمقعد فى المدرسة.. يعمل 8 ساعات يوميا ليؤمن لقمة عيش لوالديه وشقيقتين.. ويخفى ملابسه "المشحمة" عن أعين أصدقائه: بيعايرونى بيها

في عمق حواري الشرابية المكتظة، وبين أصوات المحركات الصاخبة ورائحة الشحم والزيت المحترق، يعمل محمود ـ طفل لم يكمل عامه الثاني عشر ـ منكفئا تحت السيارات المتعبة، يمسح جبينه الصغير بطرف كمه الملوث بالشحم، ويرفع عينيه نحو السقف المفتوح، كأنه يرسل بأحلامه بعيدا حيث لا تصل إليه رائحة التعب.
"أنا عندي 12 سنة.. ومن زمان وأنا بشتغل هنا فى الورشة علشان بابا مريض ومش قادر يشتغل"، يقولها محمود بنبرة هادئة، كأنه يحكي أمرا واقعيا مجبورا عليه، ويدرك أن للطفولة حق آخر لم ينله.
كان والده يعمل سائق تاكسي، قبل أن يطرقه المرض، فتوقفت السيارة، وتوقفت معها أحلام الأسرة الكبيرة التي يعيشها محمود: أب، وأم، وإثنين من الأخوات أصغر منه، ينتظرون جميعا أن يحمل هذا الطفل عنهم هم الحياة فوق كتفيه.
يحكي محمود لـ"اليوم السابع"، عن بدايته، وكيف أجبرته الظروف أن يترك طفولته خلفه مبكرا، فيقول:"كنت عاوز أتعلم.. بس الظروف اللي إحنا فيها جبرتني أسيب كل ده وأشتغل.. ما ينفعش أطلب من بابا وماما حاجة وهم مش قادرين".
لم يعرف مقاعد الدراسة، ولم تطأ قدماه فصلا دراسيا من قبل، لكنه يعرف أسماء الأدوات، وقطع الغيار، واحتياجات البيت التي لا تنتهي، حيث يقضي محمود يومه بين العجل وطرق الحديد، يعمل أحيانا من الثامنة صباحا حتى المساء،: "بشتغل 8 أو 9 ساعات.. وأوقات أكتر حسب الشغل، وباخد فلوسى في آخر كل أسبوع.. بديها لماما علشان تصرف علينا وباخد أنا منها 20 جنيه بس عشان أشترى شيبسى مع أصحابى".
حلمه ليس كبيرا كما قد يتصور الآخرون، فقط يتمنى أن يلتحق بالمدرسة، أن يحمل حقيبة ويقف فى طابور الصباح، أن يعرف ماذا يعني درس حساب، وحصة رسم "نفسي أروح مدرسة.. أتعلم.. وأبقى دكتور أو مهندس زي ما بيحلم أى حد.. عشان أكون زي أصحابى وأحسن منهم كمان."
حين تمر مجموعات الطلاب أمام الورشة صباحا، ينسحب محمود إلى الزاوية، يخفي وجهه خلف السيارات المتربة، لا يريد لأحد أن يراه حاملا مفكا بدلا من حقيبة."صحابي بيعدوا من قدام الورشة.. وأنا بستخبى.. مش بحب يشوفوني وأنا كده.. لأنهم بيضايقونى وبيقولوا لى انت بتلبس كده ليه وبتشتغل لكن احنا بنروح المدرسة".
داخل هذه الزاوية الضيقة، يعرف محمود أن الحياة لا تمنح كل طفل فرصة ليختار، لذلك، يمضي يومه الطويل، يداوي الألم بالعمل، ويصنع من صمته قوة، يحلم رغم المشقة، ويتمنى أن يستطيع يوما أن يحمل أسرته فوق ظهره لا أن يظل تحت السيارات للأبد، يسألونه عن شعوره آخر النهار، فيقول بصوت مكسور:"بتعب طبعا.. بس أكتر حاجة بتوجعني إني مش بتعلم.. كل يوم بدعي ربنا إن الظروف تتغير وأن ربنا يشفى أبويا عشان يقدر يشتغل وأنا أروح المدرسة.. وأمى بتصبرنى بطبطة على ظهرى وتقولى معلش .. أنت عارف الظروف".
.jpg)
أصغر ميكانيكى فى الشرابية

أصغر ميكانيكى

محمود ميكانيكى الشرابية

الطفل محمود

محمود أصغر ميكانيكى بالشرابية

محمود

محمود

محمود-فى-الورشة

محمود-فى-الورشة-مع-إحدى-السيارات
Trending Plus