الاستعداد أولاً

من أكثر الأمور المُزعجة في حياة بعض الناس، عدم قدرتهم على توصيل وجهة نظرهم، أو عجزهم عن إقناع الآخرين، فهذا الأمر شديد الإحباط بالنسبة للكثيرين، لدرجة أنهم قد يُصابوا بحالة من الانفعال أو الغضب، فيتناسون أن الإقناع ما هو إلا مجرد محاولة قد تصيب أو تخيب ويتناسون كذلك أن لكل إنسان قناعاته ومعتقداته التي يصعب تغييرها بسهولة، وبالمناسبة لو حدث التغيير لا يكون لقدرة المُقنع، بقدر رغبة المقتنع في الاقتناع، فالإنسان هو الذي يكون لديه الاستعداد للتغيير من عدمه، وكما قال "فريدريش فون شيلينغ": "الإنسان لا يعرف إلا ما يُريد أن يعرفه، من غير المُجدي أن نجعل الناس يفهمون شيئًا ليس لديهم الرغبة في فهمه"، إذن فالمسألة مُرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالشخص الذي يرغب في استيعاب أمر ما، أو تعلم شيئًا ما، لأن القضية نابعة من الداخل، وصدق الله العظيم عندما قال في كتابه العزيز: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)، إذن فالمسألة تبدأ من صاحب الشأن، لذا فإذا كنت على قناعة من أنك على حق، وتريد تحقيق الصواب، ولا تبتغي سوى المصلحة النبيلة، فكل هذا لا بأس به على الإطلاق، ولكنه وللأسف الشديد وثيق الصلة بالطرف الآخر، فلابد أن يكون لديه ولو قدر قليل من الاستعداد النفسي والذهني، والبدني كذلك في تفهم هذا الأمر والاقتناع به، وإلا ستذهب كل مُحاولاتك سدى.
وهذا يُؤكد أن الإنسان هو الذي يختار مساره، فهو الذي يقرر تفهم الأشياء واستيعابها أو إعطائها ظهره وتجاهلها، لذا فمهما كان الأستاذ قدير، فقدراته لا يُمكنها أن تظهر وتنجح وتُثبت قوتها إلا باستعداد التلميذ، بل إنني لا أبالغ إذا قلت أن حاجة الأستاذ إلى التلميذ لا تقل في أهميتها عن احتياج الأخير للأول، لأن الأستاذ يشعر بقوته وقدراته عندما ينجح التلميذ ويتفوق، ولكن هذه القدرات قد تقف عاجزة تمامًا أمام تلميذ ليس لديه أدنى استعداد للنجاح والاستيعاب والتقدم، وهذا يؤكد أن المُتلقي هو الأداة التي تجزم بقدرات المقدم، لأنه يُترجم كل إمكانياته من خلال مُتلقي المعلومة.
وأخيرًا، فعلينا أن نُؤمن أن الاستعداد هو الأول والأساس لكل شيء، لذا فإن الطبيب دائمًا ما يُؤكد أن نجاحه في علاج المريض مرتبط باستعداد الأخير في تلقي العلاج واستكماله حتى نهاية المطاف.
وعليه، فإذا أردنا أن ننجح في أحد الأمور، لابد أن يكون لدينا استعداد حقيقي، وإرادة قوية، وقدرة عالية، حتى نُكمل الطريق الذي بدأناه.
Trending Plus