الدور المصرى حيوى

بين الحين والآخر، تسعى الدولة المصرية إلى ترسيخ مفهوم التوازن الاستراتيجي، الذي تنتهجه القاهرة في علاقاتها الخارجية لبناء شراكات بناءة مع الدول الصديقة بما يحقق المنافع المتبادلة والمصالح المشتركة.. وظهر ذلك جلياً، في زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى كل من اليونان وروسيا، الأسبوع المنصرم.
فاليونان أقرب الحلفاء لمصر في القارة الأوروبية. لهذا جاءت زيارة الرئيس السيسي لأثينا تأكيداً على الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، واهتمام القيادة السياسية المصرية بتعزيزها على كافة المستويات وفي مختلف المجالات، خاصة في ظل تنفيذ مشروع الربط الكهربائي بين الدولتين، الأول من نوعه، والذي سيصبح بوابة مصر لنقل الطاقة الجديدة والمتجددة إلى أوروبا، عبر البوابة اليونانية.
أما زيارة الرئيس السيسي إلى روسيا على مدار اليومين الماضيين، بدعوة من نظيره الروسي فلاديمير بوتين، فتحمل في طياتها الكثير من الرسائل. أولها الحرص المصري على المشاركة في الاحتفالات الروسية بالذكرى الثمانين للنصر في الحرب العالمية الثانية، للتأكيد على قوة ومتانة العلاقات بين القاهرة وموسكو، وامتداد مسار الشراكة الاستراتيجية المتنامية بين الحليفين. والرسالة الثانية، تتعلق بتوافق الرؤى بين مصر وروسيا تجاه القضايا الإقليمية والدولية، حيث شهدت المباحثات التي أجراها الزعيمان في الكرملين تأكيدهما على أهمية استعادة الاستقرار في الشرق الأوسط ولا سيما في قطاع غزة، وضرورة تكثيف العمل على تفادي التصعيد الإقليمي. كما شهدت مباحثات الرئيسين تأكيد دعم بوتين لجهود القاهرة في استعادة هدوء الإقليم، ولخطة إعادة إعمار غزة التي أقرتها القمة العربية الطارئة مؤخراً، لتصبح خطة مصرية وعربية وإسلامية متكاملة. إلى جانب التوافق المصري الروسي حول الأوضاع في سوريا وليبيا والسودان والأزمة الروسية الأوكرانية، وضرورة التوصل إلى حلول دبلوماسية لمختلف الأزمات بما يحفظ السلم والأمن الدوليين.
أما الرسالة الثالثة، فتتعلق بالزخم الذي تشهده العلاقات الثنائية بين القاهرة وموسكو في مختلف المجالات، والقائمة على اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين، بما في ذلك إنشاء المنطقة الصناعية الروسية في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وإنشاء محطة الضبعة لتوليد الكهرباء بالطاقة النووية، إلى جانب السعي لزيادة أعداد السائحين الروس القادمين إلى مصر، والترويج في روسيا لمقاصد سياحية مصرية جديدة، وكذلك تعزيز التعاون في مجالات الطاقة والأمن الغذائي والزراعة والصناعة، بالإضافة إلى أهمية مواصلة التنسيق بين البلدين في المحافل الدولية، وخاصة تجمع بريكس...
الطفرة الكبيرة التي تشهدها العلاقات المصرية الروسية، تعكس مرونة واضحة في الدبلوماسية المصرية القائمة على التوازن الاستراتيجي، في إطار قدرة القاهرة على تحقيق توافقات مع مختلف أطراف المعادلة الدولية في خضم الأحداث المتلاحقة التي تعصف بالشرق الأوسط. وهو ما يبدو واضحاً في التطورات المتزامنة للعلاقة بين مصر والعديد من القوى الأوروبية، إلى جانب الاحتفاظ بالعلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية في العديد من المجالات السياسية والاقتصادية، لعل أبرزها على السطح العمل المشترك نحو الوصول إلى التهدئة في قطاع غزة بالشراكة مع دولة قطر....
هذه الحالة من استقلالية القرار المصري في لحظة محورية من تاريخ العالم تتنامي فيها الصراعات بين مختلف جنباته – تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك، أن للقاهرة دوراً فاعلاً في حلحلة مختلف أزمات المنطقة الملتهبة، بعيداً عن الأدوار المرسومة من قبل القوى الكبرى – وخاصة واشنطن – فيما يتعلق بالقضايا الإقليمية، وفي القلب منها القضية الفلسطينية، التي تحتفظ بمركزيتها في أجندة السياسة الخارجية المصرية.
ويضفي هذا المسار، المزيد من الثقة العالمية في دور مصر الإقليمي والدولي، تجاه أزمات المنطقة، بعيداً عن التحالفات الجامدة. إذ تمتلك القاهرة أوراقا عديدة وقدرة ناعمة على نقل الرسائل وتخفيف حدة التصعيد وخلق مساحات تفاوضية غير تقليدية، سواء على المستوى السياسي أو على المستوى الاقتصادي. ولم تكن هذه المكانة المتقدمة لتتحقق لولا النهج المستقل الذي اختطته السياسة الخارجية المصرية في عصر الجمهورية الجديدة....
ومن هنا بات من الضروري أن ينتهج المسار الدبلوماسي المصري، الانخراط في حلحلة كافة الأزمات الدولية، متسلحاً بقوته ومرونته في التفاوض، ليتخطى الحدود الإقليمية، إلى العالمية. وتصبح القاهرة قِبلة الجميع لتحقيق السلام في الكرة الأرضية.
Trending Plus