قانون الإيجار القديم... التوازن الضروري بين العدالة الاجتماعية والحقوق الاقتصادية

في قلب كل مدينة مصرية، وفي الأزقة والشوارع العتيقة، تعيش قصة ممتدة بين جدران منازل استقرت بها عائلات لعقود، ضمن إطار قانوني كان يمثل في وقت من الأوقات درعا واقيا للطبقات الوسطى والفقيرة من تقلبات السوق العقاري إنه قانون الإيجار القديم، الذي وإن نشأ في سياق زمني مختلف، ظل أثره ممتدا حتى يومنا هذا، حاصرته التغيرات الاقتصادية، وضغط عليه الواقع العمراني، وأثقل كاهل طرفي المعادلة: المالك والمستأجر.
لكن ما كان بالأمس حلا، أضحى اليوم أزمة تبحث عن توازن.
لقد نشأ قانون الإيجار القديم في بيئة اجتماعية وسياسية كانت بحاجة إلى فرض نوع من الاستقرار المجتمعي في أعقاب أزمات الحرب والهجرة الداخلية، وحماية المواطن محدود الدخل من جشع السوق في ظل ضعف المعروض العقاري فكانت فلسفة القانون قائمة على التثبيت الكامل لقيمة الإيجار، وجعل العلاقة بين المالك والمستأجر ممتدة بلا انقطاع عبر الأجيال.
هذه الصيغة، وإن بدت عادلة حينها، تحولت مع مرور الزمن إلى معضلة تشريعية المالك لا يستطيع الاستفادة من أملاكه التي لا تدر عليه دخلا يتناسب مع قيمتها السوقية أو احتياجاته المعيشية، والمستأجر أصبح في موقع امتياز اقتصادي غير مبرر بعد تحسن أحواله، وفي حالات كثيرة بات يمتلك عقارات أو يسكن في وحدات إيجار قديم بأثمان زهيدة لا تتناسب مع حجم التضخم العقاري.
وهنا، يكمن التحدي الأكبر: كيف يمكن أن نعيد التوازن إلى هذه العلاقة المتجمدة دون أن نهدم استقرار الأسر التي عاشت لسنوات طويلة تحت سقف هذه القوانين؟ كيف يمكن أن نحقق العدالة للطرفين، لا على حساب أحدهما، بل عبر منظومة تشريعية رشيدة، وتدريجية، وعادلة؟
لقد جاءت مناقشات البرلمان والحوار الوطني حول تعديل قانون الإيجار القديم في إطار نظرة شاملة لتحقيق العدالة الاجتماعية، وليس من باب تصفية الحسابات فالدولة المصرية، عبر مؤسساتها، لم تغفل يوما البعد الاجتماعي في أي من قراراتها، لكنها الآن أمام واجب الحفاظ على حقوق المواطنين الدستورية – سواء كانوا ملاكا أم مستأجرين.
التعديلات المطروحة تستهدف أولا فك الجمود التاريخي في العلاقة الإيجارية، عبر مراحل تدريجية مدروسة، تتيح للمستأجر التكيف مع المتغيرات، وتمنح المالك الحق في استغلال ممتلكاته أو الحصول على مقابل عادل عنها ، والحديث هنا ليس عن طرد قسري أو ظلم مفاجئ، بل عن إعادة تصحيح مسار تشريعي استمر لعقود دون مراجعة حقيقية.
ومن أبرز ما يمكن اعتباره من إيجابيات هذا التعديل المرتقب تتمثل تحقيق العدالة الاقتصادية فالمالك الذي يمتلك وحدة عقارية في موقع متميز لا ينبغي أن يحصل على جنيهات معدودة كإيجار شهري، في وقت تتضاعف فيه أسعار العقارات والمرافق والخدمات بالإضافة إلى تشجيع الاستثمار العقاري، ولا يمكن للسوق العقاري أن ينمو على أسس مشوهة، فوجود نسبة كبيرة من الوحدات المؤجرة بأسعار قديمة يعطل تدفق الاستثمارات الجديدة، ويحجب الفرص عن شباب يبحث عن مسكن كما أنها تساهم في تحفيز الصيانة والتطوير فعندما يعود للمالك الحق في إدارة ممتلكاته أو التصرف فيها بعد فترة انتقالية، سيتولد لديه الحافز لتطوير العقار وصيانته، ما يسهم في تحسين البنية العمرانية وأيضا،حماية حقوق المستأجر الضعيف لأن التعديل لم يأت لتجريد المستأجر من حقوقه، بل يضع آليات للحماية الاجتماعية من خلال مدد انتقالية، وخطط لتعويض الفئات الأولى بالرعاية، بل ويقترح البعض توفير وحدات بديلة في مشروعات الإسكان الاجتماعي أو دعم مالي مباشر.
بل إن التعديل المقترح يحمل في طياته بعدا وطنيا أعمق، إذ يسهم في مواجهة أزمة "الوحدات المغلقة"، وهي ظاهرة خطيرة تؤثر سلبا على التوازن السكاني والتوزيع العمراني، حيث تشير التقديرات إلى وجود ملايين الشقق المغلقة لعدم قدرة الملاك على استردادها أو إعادة استثمارها وفتح هذا الباب سيساعد في تحريك السوق العقارية وتوفير وحدات سكنية جديدة بدون الحاجة إلى إنشاءات جديدة تستهلك مزيدا من الأراضي والمرافق.
كما أن التعديل المنتظر يعكس فلسفة مصر الجديدة في إدارة الأصول الاقتصادية بشكل عقلاني ومستدام، ويأتي في إطار مساعي الدولة لتعظيم الاستفادة من الموارد غير المستغلة، وتنظيم السوق العقاري بما يخدم التنمية الشاملة وهو بذلك لا يعالج أزمة فردية بين مالك و مستأجر فحسب، بل يعيد ترتيب العلاقة بين الدولة والمواطن من جهة، وبين المواطن وثرواته من جهة أخرى.
ومن منطلق خبرتي في الإدارة المحلية، فإن الأثر الإيجابي لهذا القانون سيظهر في قدرة الأحياء والمراكز والمدن على استعادة زمام التطوير، حيث سيتم تحفيز أصحاب العقارات المهملة و المغلقة على ترميمها أو استثمارها، بدلا من أن تظل حبيسة عقود جامدة لا تدر فائدة على أحد وسينعكس ذلك على تحسين البيئة العمرانية، وتقليل العشوائيات، وزيادة الدخل المحلي من خلال الضرائب العقارية والرسوم المرتبطة بالنشاط العقاري.
ختاما، لا يمكن لقانون أن يستمر في تجاهل المتغيرات دون أن تنعكس آثاره سلبا على المجتمع بأسره، ونحن أمام فرصة لإصلاح تشريعي عادل، يحترم الكبار ويمنح الشباب الأمل، ويعيد للاقتصاد الحيوي قدرته على التنفس في سوق سكني أكثر عدالة وواقعية و المطلوب فقط أن يكون هناك حوار مجتمعي هادئ، وتدرج زمني منصف، وإرادة سياسية واضحة... وهي جميعا متوفرة في ظل الجمهورية الجديدة.
قانون الإيجارات القديمة
قانون الإيجار القديم
مشروع قانون الإيجار القديم
المالك
المستأجر
القيمة الإيجارية
الايجار القديم
قانون الايجار القديم 2025
حكم المحكمة الدستورية بخصوص الايجار القديم
قرار الايجار القديم
قانون الايجار
الايجار القديم اليوم
اخر اخبار الايجار القديم
تعديل قانون الايجار القديم
قانون الايجار الجديد
الايجار القديم اليوم السابع
قانون الايجار القديم مصر
مجلس النواب
ايجار قديم
ايجار
الإيجار
زيادة الايجار القديم
Trending Plus