مصر بين معادلات الصراع الإقليمى واستراتيجية "نصر بلا حرب"

محمد ايمن
محمد ايمن
محمد أيمن

تتبع مصر منذ سنوات منحنىً تصاعدياً في علاقاتها الدولية يقوم على مبادئ الاستدامة الاستراتيجية والتوازن الجيوسياسي. إذ تُطبق القاهرة نموذجاً للدبلوماسية الوقائية، تفرض فيه حدّاً فاصلاً بين التوافق والشراكة من جهة والانزلاق العسكري من جهة أخرى، معتمدين على آلية الردع الرادع التي تحدّ من أي تهديد مسلح.

في مؤشر بارز على هذا التوازن، شاركت وحداتٌ مختارة من القوات المسلحة المصرية، خلال احتفالات الذكرى الثمانين لنصر روسيا، في العرض العسكري الاحتفالي بحضور السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي. هذه الخطوة تؤكد قدرات مصر على تعزيز التفاعلات الدولية بآليات علمية مدروسة، دون الانغماس في محاور أحادية.

لعبت القاهرة دور الوسيط المحايد مؤخرًا في دعم جهود وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان تحت رعايةٍ أميركية. فقد استثمرت مصر علاقاتها المتوازنة مع نيودلهي وإسلام أباد لتأكيد أهمية خفض التوتر والامتناع عن التصعيد، مع تشجيع الأطراف على اعتماد حوارٍ استراتيجي قائم على تفكيك الألغام الدبلوماسية وتوظيف مصفوفات الحوكمة المشتركة.

تتداخل في المشهد الإقليمي حزمة من التحولات: اتفاقات إبراهيمية جديدة تستهدف دمج إسرائيل أكثر في محيطها، ورغبة أميركية في تخفيف العبء الاستراتيجي عن كاهل واشنطن عبر تحميله دولاً إقليمية، وخطط لتشكيل جبهة أمنية مشتركة مع إسرائيل ودول عربية أخرى. ويترتّب على ذلك احتمال توتر متجدد في غرب البحر الأحمر، يمتد جنوباً من إثيوبيا والصومال وشمالاً إلى السودان وليبيا، إذا غابت القاهرة عن هذه المعادلات.

تُعبّر مصر في نهجها نحو الجيوسياسية الإقليمية في الشرق الأوسط عن رؤيةٍ شمولية ترتكز على إدارة الملفات الملغمة: فلسطين، والسودان، وليبيا، والقرن الإفريقي، والبحر الأحمر. فقد صممت القاهرة منظومة متوازنة دبلوماسية تُوظف أدوات تفاهم إقليمي متعدّد المستويات، اعتماداً على التنسيق مع الفاعلين المحليين والدوليين لضمان استقرار طويل الأمد.

تُعد مبادرة "المبادرة المصرية لإعادة إعمار قطاع غزة دون تهجير سكانه" مثالاً حياً على الدبلوماسية الوقائية والتخطيط التنموي المستدام. فقد قدمت مصر حلاً مبنياً على منهجية هندسة إعادة الإعمار المدني، معتمدةً على قدراتها في الإدارة اللوجستية للتنمية وتوظيف التقديرات الديموغرافية الدقيقة لضمان مشاركة السكان المحليين.

قالبتِ القاهرة المحاولات الإقليمية والأميركية لفرض النقل القسري عبر تفعيل شبكات التواصل الجماهيري ودعم المراكز البحثية لنشر الدراسات المضادة، مستعينةً بمنهجية تحليل التدفقات السكانية ونماذج محاكاة تأثير التهجير على الأمن الغذائي والبُنى التحتية الحيوية.

لتحقيق ذلك، وظّفت القاهرة 11 محوراً دبلوماسياً وعسكرياً: استدعاء الدعم الشعبي المصري، وصياغة البدائل الإنشائية، وتفعيل التضامن العربي والإسلامي، وبناء تحالف دولي يشمل روسيا والصين وفرنسا والدول الأوروبية الرافضة للتدخل الأميركي الأوحد، وضبط علاقاتها مع واشنطن بما يحفظ مصالحها، والحفاظ على توازن عسكري يستند إلى برنامج تسليح متطور منذ 2014، إلى جانب اقتصاد قوي يقيّد قدرة الولايات المتحدة على تهديد المساعدات.

في هذا السياق، لم تكن مصر معنية بصراع تسلّحٍ مطلق، بل اعتمدت حسابات دقيقة لتعزيز الردع واستخدام «سلاح المساعدات» و«التحالفات الاستراتيجية» لتحقيق الأهداف دون اندلاع حرب شاملة. اعتمدت القاهرة في ذلك على بنية عسكرية حديثة، تراعي مقومات الأمن القومي وتوازنات القوة في المتوسط، مع قدرات رصد متقدمة من خلال طائرات الإنذار المبكر وأنظمة المراقبة.

تتقاطع اليوم توجهات الإدارة الأميركية المقبلة مع طموحات إمبراطورية قديمة؛ إذ يُسوق دونالد ترامب أفكاراً بانضمام كندا وغرينلاند إلى الاتحاد الأميركي، في خضم رسالةٍ واضحة أن واشنطن لا تتوانى عن تأمين مواردها ونفوذها. أما على الصعيد الثقافي، فتواجه المنطقة هجمات تستهدف هويتها وقيمها التقليدية، ما يستدعي وعيًا إقليمياً يوازن بين الانفتاح والتشبّث بالثوابت.

على المستوى العسكري، واصلت مصر تعزيز قدراتها وفق برنامج تسليحٍ متوازنٍ يستند إلى مبادئٍ من كتاب "فن الحرب" لفنّار الصين صن تزو، مع توظيف منهجيات البحث والتطوير المحلي لتصنيع أسلحة عالية التكامل التقني. وقد قامت القوات المسلحة بنشر منظومات مراقبة واستطلاع فضائية، بالإضافة إلى طائرات إنذار مبكر ذات أنظمة رادارية قادرة على رصد الأهداف من مسافات تتجاوز المئات من الكيلومترات.

أما دبلوماسياً، فقد نجحت القاهرة في تشكيل تحالفاتٍ استراتيجيةٍ مع قوى كبرى مثل روسيا والصين وفرنسا وإسبانيا، استناداً إلى قواعد القانون الدولي وعقدية الأمن الجماعي، فضلاً عن تفعيل آليات التشاور والتنسيق في إطار منظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية.

من خلال هذه الاستراتيجيات المجدولة علمياً وميدانياً، تؤكد مصر اليوم أنها ركيزةٌ للتوازن الإقليمي والعالمي، وأن أمن الشرق الأوسط يبدأ بتطبيق مبادئ الاستدامة الاستراتيجية والدبلوماسية الوقائية، وباستخدام أدوات تحليل المخاطر الجيوسياسية والاستراتيجيات القائمة على البيانات، دون الانزلاق إلى الصراعات العسكرية التقليدية.

ختامًا، يرسم المشهد الحالي معادلة مركبة، تُعيد تعريف مفهوم الحرب في القرن الحادي والعشرين على أنها مزيج من الدبلوماسية والسياسة والتطويق الاستراتيجي، والحروب النفسية والثقافية. في هذه المعادلة، تظلّ مصر طرفًا فاعلًا، لا تابعًا، تسعى إلى تحقيق مصالحها وضمان استقرارها، مستندة إلى قوة شاملة تتجاوز مجرد الردع العسكري إلى شمولية رؤية سياسية واقتصادية.

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

غلطة الحارس بألف.. شاهد خطأ كارثى لعواد يمنح بيراميدز المبادرة أمام الزمالك

مواعيد حجز قطارات عيد الأضحى 2025

النحاس: دفاع الأهلى أمام سيراميكا لضمان الفوز.. ونجحنا في استغلال الفرص

وفاة "سما عادل" المصابة فى حريق خط غاز طريق الواحات

نادين نسيب نجيم تزين السجادة الحمراء لمهرجان كان السينمائى.. صور


فينيسيوس يسخر من مارتينيز مدافع برشلونة في الكلاسيكو

الأرصاد: نشاط الرياح اليوم لا يصل للعاصفة ونبدأ موجة حارة جديدة الجمعة القادم

الأرصاد الجوية: الساعات القادمة تشهد تحسنا للطقس فى القاهرة الكبرى

21 مباراة جمعت الزمالك وبيراميدز قبل لقاء الليلة.. إنفو جراف

الزمالك وبيراميدز.. 6 لاعبين يغيبون عن الأبيض


لجنة التخطيط بنادى الزمالك توافق على ضم سام مرسى بشرط

شاهد الداخلية تكشف ملابسات فيديو مشاجرة السلاح الأبيض داخل مسجد بالسلام

رئيس الوزراء يتابع الإجراءات اللوجيستية لاحتفالات افتتاح المتحف المصرى الكبير

تشكيل الأهلي أمام سيراميكا..وسام يقود الهجوم والعش أساسياً

وزير العمل يعلن 1072 فرصة عمل فى الإمارات بمرتبات تصل لـ55 ألف جنيه

"رونالدينيو أفريقيا".. معلومات لا تفوتك عن صفقة الأهلي المحتملة

الطقس غدا.. أجواء حارة نهارا ونشاط للرياح والعظمى بالقاهرة 31 درجة

موعد مباراة الأهلى والترجى التونسى فى نهائى السوبر الأفريقى لليد

إزالة عقار مخالف من 7 أدوار بعين شمس وإحالة مسئولين بالحى للنيابة الإدارية

مواعيد امتحانات نهاية العام الدراسى لجميع الصفوف الدراسية

لا يفوتك

مواعيد حجز قطارات عيد الأضحى 2025

مواعيد حجز قطارات عيد الأضحى 2025 الثلاثاء، 13 مايو 2025 09:25 م


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى