وثائق تكشف تاريخ الطباعة في مصر من نابليون إلى محمد على باشا.. كتاب يكشف تفاصيل جديدة حول إنشاء مطبعتي الإسكندرية وبولاق.. وكليبر استخدم مطبعة الإسكندرية في حربه ضد الجزار باشا حاكم صيدا

في مفارقة تاريخية لافتة، تستحوذ مكتبة "Peter Harrington" الموجودة فى لندن، على العديد من الوثائق والمخطوطات التاريخية النادرة التي لا تقدر بثمن ولا توجد منها نسخ بديلة، ولعل من بين أبرز هذه الوثائق "كتاب بعنوان: "حملة سوريا حتى الاستيلاء على يافا فى الإسكندرية من المطبعة الشرقية الفرنسية السنة السابعة من الجمهورية الفرنسية.. تاريخ الطباعة في مصر" عام 1927.
ويتضمن الكتاب ما يلى: كان غزو نابليون لمصر عام 1798 هو الشرارة الأولى لصعود الطباعة العربية الحديثة، فقد أدرك نابليون بونابرت مبكرًا قوة المطبعة كأداة للحكم والدعاية، فجلب معه إلى مصر أحدث تقنيات الطباعة الفرنسية آنذاك، في وقت لم تكن فيه مصر قد عرفت الطباعة بعد، وبعد أيام قليلة فقط من وصوله إلى الإسكندرية، أنشأ "المطبعة الشرقية" في القاهرة تحت إشراف المستشرق جان - جوزيف مارسل ومساعده الشاب نيكولا - كونتي.
ورغم أن هذه المطبعة أغلقت بعد فترة وجيزة من انسحاب القوات الفرنسية، إلا أن تأثيرها كان بعيد المدى، فقد مهدت الطريق لما سيأتي لاحقًا، خاصة حين ألهمت محمد علي باشا، الذي أسس مطبعة بولاق في عشرينيات القرن التاسع عشر، وكان أحد العاملين في مطبعة بولاق هو نيكولا نفسه، الذي سبق له العمل في مطبعة نابليون، ما يربط المشروعين بخيط مباشر وملموس.

مطبعة بولاق والنهضة الفكرية
أسهمت مطبعة بولاق بشكل كبير في إشعال النهضة الفكرية العربية في القرن التاسع عشر، وأصبحت أول مطبعة عربية كبرى لإنتاج الكتب والمجلات على نطاق واسع، فقد نشرت الأعمال العلمية والأدبية في أنحاء الإمبراطورية العثمانية، وكان من أبرز إنجازاتها إنشاء مطبعة ولاية مكة عام 1883، والتي كانت أول مطبعة في شبه الجزيرة العربية.
المطبعة الفرنسية في الإسكندرية: تجربة قصيرة الأجل
أما في الإسكندرية، فقد أبقي على جزء من معدات الطباعة الفرنسية هناك بعد نقل المطبعة الرئيسية إلى القاهرة، واستخدمت هذه المعدات ضمن ما عرف بـ"المطبعة الشرقية الفرنسية" لتزويد الجنرال كليبر بالمطبوعات الضرورية أثناء وجوده في المدينة، وكان يشرف على التدقيق اللغوي فيها مصحح يدعى ألكسندر بيسون. ومع ذلك، لم تكتب للمطبعة عمر طويل، إذ بدأت في التراجع بعد مغادرة نابليون إلى فرنسا في أواخر أغسطس 1799، وحين تولى كليبر الحكم في القاهرة في يناير من العام نفسه، كانت المطبعة في الإسكندرية قد بدأت تفقد أهميتها.
رغم ذلك، توجد إشارات إلى أن المطبعة واصلت نشاطها لفترة قصيرة، حيث طبعت بعض النشرات في كل من القاهرة والإسكندرية، مثل الكتيب الذي احتوى على سبعة تقارير عسكرية، اثنان منها يسردان معارك ضد الجنرال الجزار باشا، حاكم صيدا، إلا أن التأريخ الدقيق لهذه النشرات لا يزال معقدًا، ما يطرح تساؤلات حول موقع الطباعة الأصلي بين المدينتين.
الكتب "الوليدة" للطباعة العربية
في أوروبا، تُعرف الكتب الأولى المطبوعة في القرن الخامس عشر باسم "Incunabula" (أي "الكتب الوليدة")، وهي تمثل الانتقال من المخطوطات إلى عالم الطباعة، وعلى غرار ذلك، ورغم ندرتها، فإن الكتب العربية المبكرة — التي بدأت من تجربة نابليون واستكملت في بولاق — كانت حاسمة في تشكيل الحياة الفكرية العربية، ويمكن اعتبارها "مهد الطباعة العربية" الحقيقي.
وقد أشار المؤرخ ألبرت جيس إلى واحدة من هذه الطبعات النادرة في كتابه "تاريخ الطباعة في مصر" عام 1927، مؤكدًا أنها كانت محفوظة بشكل ملحوظ ونشرت دون قصها، كما كانت توزع يوم الطباعة، ولم تسجل لها نسخ في المزادات أو المكتبات الأكاديمية، ما يعكس مدى ندرة تلك اللحظات الأولى من الطباعة العربية.
Trending Plus