مصر في " الساحة الحمراء"...رمزية اللقاءات والحضور السياسي والعسكري

ثلاثة مشاهد لها دلالتها المهمة من داخل احتفالات روسيا لإحياء الذكرى الـ80 ليوم النصر الذي تحتفل فيه بهزيمة ألمانيا النازية ونهاية الجبهة الشرقية في الحرب العالمية الثانية يوم 9 مايو عام 1945. وتعتبر موسكو هذه الذكرى رمزا للفخر الوطني والاعتزاز بالتضحيات التي قدمها الشعب السوفيتي خلال الحرب. وفقد الاتحاد السوفيتي- السابق- 27 مليون شخص في هذه الحرب.
أول تلك المشاهدات هي المشاركة العسكرية الرمزية للقوات المسلحة المصرية بوحدة عرض للشرطة العسكرية احدى أقدم إدارات الجيش المصري (أنشئت عام 1936 باسم البوليس الحربي قبل تغيير المسمى عقب ثورة يوليو) في العرض العسكري في الساحة الحمراء بموسكو بمشاركة وحدات عسكرية استعراضية من 13 دولة بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسي، الذي وقف تحية لعبور الوحدة العسكرية المصرية أثناء تواجده على المنصة المخصصة للضيوف من الزعماء المدعوين لحضور الاحتفال من 27 دولة من بينهم زعماء مصر والصين والبرازيل وكوبا وفيتنام وصربيا وسلوفاكيا وبيلاروسيا وفلسطين وفنزويلا وأثيوبيا وغيرهم الى جانب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين
المشاركة الرمزية للقوات المسلحة المصرية في العرض العسكري كانت مشهدا لافتا له معنى كبير ، فروسيا بوتين التي تقود عملية تغيير كبرى لإعادة التوازن في معادلة السياسة الدولية من خلال تحالفات دولية وإقليمية وتجمعات اقتصادية كبرى توجه الدعوة لمصر الدولة العربية والافريقية الكبرى للمشاركة الى جانب الجيش الروسي وباقي الشركاء في هذه المناسبة الكبرى، بما يعني أيضا الاعتراف الواضح من جانب روسيا بمكانة مصر ودورها الريادي والقيادي في المنطقة وقوة جيشها الذي يعد حاليا واحدا من أقوى جيوش العالم- الجيش المصري يحتل حاليا المرتبة 14 ضمن أقوى الجيش العالمية وهو أقوى جيش عربي وأفريقي-
ثاني هذه المشاهد هو الحضور السياسي المصري القوي والطاغي للرئيس عبدالفتاح السيسي والوفد المرافق له في هذا الاحتفال الضخم. فالزيارة والحضر والمشاركة للمرة الثانية على التولي ليست زيارة بروتوكولية وانما تحمل في باطنها الدلالات القوية والعميقة في ظل الأوضاع القلقة على المستوى الدولي والإقليمية وتأكيدا على عمق العلاقات المصرية الروسية الذي يمتد لأكثر من 7 عاما وخاصة في مرحلة الخمسينيات والستينيات. ومصر كانت من أوائل الدول التي بادرت بإقامة علاقات دبلوماسية مع روسيا الاتحادية عقب انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، ومنذ ذلك الحين، شهدت العلاقات بين البلدين تطورًا ملحوظًا على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية، مما أسهم في بناء شراكة استراتيجية قوية تعززت بشكل ملحوظ خلال عهد الرئيس السيسي.
المشاركة السياسية المصرية توجت بلقاء الزعيمين الصديقين، السيسي وبوتين- اللذان التقيا أكثر من مرة منذ عام 2014 وحتى الآن- في جلسة مباحثات موسعة بحضور عدد من الوزراء، اتفقا خلالها على زيادة أعداد السائحين الروس إلى مصر وتعزيز التعاون فى الطاقة والأمن الغذائي والتعدين والزراعة والصناعة.. وأهمية استعادة الاستقرار بالشرق الأوسط بالتوصل إلى حل نهائي للقضية الفلسطينية من خلال إقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع يونيو ١٩٦٧ وتكثيف العمل على تفادي التصعيد الإقليمي
بوتين أعرب عن تقديره لمشاركة الرئيس السيسي في احتفال يوم النصر مما يعكس العلاقات الراسخة والتاريخية التي تربط بين البلدين والشعبين الصديقين. كما أكد على أن العلاقات الروسية المصرية تتطور بنجاح.
و الرئيس السيسي، أشاد بعلاقات مصر الاستراتيجية مع روسيا، التي تستند إلى اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة المبرمة بين البلدين عام ٢٠١٨، معربًا عن التقدير للزخم الذي تشهده العلاقات الثنائية بين البلدين في مختلف المجالات، بما في ذلك إنشاء المنطقة الصناعية الروسية في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وإنشاء محطة الضبعة لتوليد الكهرباء بالطاقة النووية.
الزعيمان أعربا عن تطلعهما إلى نجاح اللجنة المشتركة بين البلدين خلال شهر مايو الجاري والتي سوف تتناول سبل تعزيز العلاقات الثنائية في كافة المجالات ذات الاهتمام المشترك. وأهمية مواصلة التنسيق بين البلدين في المحافل الدولية، بما في ذلك تجمع بريكس. والتوافق والتنسيق تجاه قضايا الشرق الأوسط في غزة وليبيا والسودان وسوريا واليمن، بالإضافة إلى الأزمة الروسية الأوكرانية، حيث شدد الرئيس السيسي على موقف مصر الذي يطالب بالتوصل إلى حلول دبلوماسية للأزمات الدولية بما يحفظ السلم والأمن الدوليين.
المشهد الثالث وهو اللقاء الذي جمع بين الرئيس السيسي والرئيس الصيني عقب لقاءه بالرئيس بوتين وجسدته الصورة الفوتوغرافية التي تناولتها وسائل الاعلام والوكالات الدولية على نطاق واسع في مغزى سياسي استراتيجي يحمل دلالات عديدة.
فالرئيس التقى على هامش الاحتفالات بالرئيس الصيني شي جين بينج وكان هناك ترحيب كبير من جانب الرئيسين بهذا اللقاء الذي يأتي عقب ختام المناورات العسكرية المشتركة بين البلدين الصديقين التي كان عنوانها " نسور الحضارة". وهي المناورات الجوية المشتركة بين الجانبين التي تجري لأول مرة وتمهد الطريق لتعاون محتمل في مجال المعدات العسكرية في المستقبل القريب في اطار العلاقات العسكرية الجيدة والمتميزة بين مصر والصين. المناورات المصرية الصينية سبقتها مناورات عسكرية مشتركة أيضا بين الجيشين المصري والروسي في مقدمتها مناورات " حماة الصداقة"
اللقاء المصري الروسي والمصري الصيني يعكس حرص مصر على التوازن في علاقاتها الدولية بين الشرق والغرب ويشير الى التحولات الكبرى في العلاقات الدولية ومصر في القلب منها . ففي ظل التقلبات الدولية الراهنة، انتهجت مصر علاقات دولية متوازنة ذات طابع استراتيجي يحقق المصالح المشتركة والمصلحة الوطنية المصرية. فمصر والصين وروسيا تجمعهم رؤى مشتركة تجاه قضايا الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، وعلاقات تاريخية وسياسية واقتصادية وطيدة وتتشارك الدول الثلاثة في تجمعات سياسية واقتصادية أبرزها تجمع " بريكس"
مصر تعي وتدرك جيدا طبيعة التحديات والتحولات في النظام الدولي الحالي يتطلب منها تعزيز شراكاتها الاستراتيجية لضمان حماية مصالحها الوطنية وتعزيز مكانتها على الساحة الإقليمية والدولية.
تلك المشاهد الثلاثة على هامش الحضور السياسي والعسكري والاقتصادي المصري اللافت في موسكو تؤكد على أن الحضور المميز في موسكو وفي غيرها من عواصم العالم يؤكد أن مصر في قلب المشهد الدولي بمكانتها الاستراتيجية وثقلها الإقليمي وتأثيرها السياسي وقوتها العسكرية وليست بعيدة عن المشهد.
Trending Plus