جسدي تائه في الظلام.. قصيدة محمود شريف بملتقى بيت الشعر العربي للنص الجديد

يستعد بيت الشعر العربى، بإدارة الشاعر سامح محجوب، على مدار يومى 17 و18 مايو لتقديم (ملتقى بيت الشعر العربى الأول.. للنص الجديد)، ويدعو فيه 50 شاعرًا، تحت سن الأربعين من جميع ربوع مصر، وذلك للمشاركة فى الملتقى، ويقوم "اليوم السابع" بنشر قصائد الشعراء تباعًا..
بيت الشعر العربي
جسدي تائه في الظلام .. لـ محمود شريف
وحديَ في الليل يقظان
غرقان في صمته
والظلام يدور حواليّ كالساقية
أتفرّس فيه جدارًا جدارًا
وزاويةً زاوية
هذه الكلمات الغوامض
تأخذ عينيّ أعلى فأعلى
أفي السقف نجم يفسّرها لي
ويأخذني جارَه؟
أم تُرى صرتُ مائدةً
بين أسنانها الحامية
مُوحِشٌ ذلك الأسوَدُ
المتفجر من نفسه بلدًا تائهًا
ونُهورًا إلى عدمٍ جارية
وأنا لا أرى أي شيء
هنا كانت الكأس
آخر سيجارة
وكتاب قديم عن الشعر
كيف يفتّت صخر الجزيرة
ثم يبعثره في طريق النبوة
كان هنا، كل شيء مضى
وبقيتُ أنا في مراوغة الوهم للحلم
ذلك قصر فسيح
وبنت تراقصُ بستانَه عارية
كيف لم ينتبه جسدي !!
أتحسّسه مثلما أتحسّس روحي
كلا الجسدين ظلامٌ،
أنا خائف منذ غابَ
فلا أثرٌ أقتفيه
ولا نجمَ يكشف لي ناحية
لا أردّ يدي وهْي مُرسَلَةٌ وحدها
تعبُر الغيب للغيب
تبحث عن جسد ضلّ عنها وعنيَ
ما أرحمَ الطين بالطين
وهو يفتّش عن نفسه
في العماء وفي المدن الخافية
هل هو الآن يبصرني
ويفكر كيف يباغتني
كمزاح الصديق ويضحك؟
أم هو مثلي يخاف
ويبحث عني ليأنس بي
وتطمئنه قُبلتي الحانية؟
ربما هو ذاك الذي يتسحّب
من أسفل الباب مثل السُّلَحْفاةِ،
يزحف أعلى الجدار
ويرنو إليّ ويزحف
يخفى هنا ويَبِينُ هناك
ويسقط دون مقاومة
في يد الهاوية
ربما هو ذاك الذي يتمثل لي
في وجوه الأحبة
نقطة ضعفي الحنينُ
الحنين الذي يتملّك روحي
كما تتملّك جسميَ لسعةُ برد
يعضّ مفاصل روحي
يُوسِع فيّ جروحي
قدر المسافة بين طفولتيَ الحالية
وطفولتيَ الآتية
يتمثل لي قطةً
كان جدّيَ يُطعمها بيديه
ويصحبها في الطريق إلى الحقل
كانت صديقتَه في الصباح
وطفلتَه في المساء
وما زال نبشُ مخالبِها
أثرًا للمحبة في قبره
كم أحنّ إليها..
إلى غيرتي وهي في حجر جديَ
قد صعدتْ روحها للّقاء
وشاهدتُ جثتها خرقة بالية
أنت يا جسدي
يا مَهَبَّ الحنين
تمثلتَ في كل شيء سوايَ
ألستُ جديرًا بشكلك
يا من عبرْنا ثلاثين موتًا معًا؟
هل ستتركني في ظلامك
حتى أحنّ إليّ؟
هل الموت أن يخرج الجسم من روحه
أم خلودكما حين تفترقان؟
الحنين وقودُ الخلودِ وآبادُه الباقية
بينما أنا متّقدٌ بالسؤال
اختفى ذلك الأسودُ
ورأيت الصباحَ
وجسميَ من روحه يُولدُ
واضحًا في حقيقته
مثلما كان في وهمه غامضًا
جسدي هو هذا الصباح
وهذا الغدُ
مثلما كان بالأمس ذاك الظلامَ
محمود شريف
محمود شريف
دار العلوم جامعة القاهرة 2014
جائزة المسابقة المركزية 2016 عن ديوان "دمٌ على شَفَةِ الناي"
له تحت الطبع "أنا صاحبي وعدوّي"
Trending Plus