إشكالية مفهوم القيادة والشخصية القيادية

نعيش حقبة زمنية مضطربة يتداخل فيها الحق مع الباطل ويعتمد أصحاب الباطل على مخاطبة الرأى العام بجزء من الحقيقة، وكثير من الأكاذيب بغرض تفتيت المجتمعات من الداخل، ومنذ بدء مخطط الشرق الأوسط الكبير وشعب مصر يحتل مركز الصدارة فى حجم الاستهداف عن طريق نشر الأكاذيب والشائعات من أجل تفتيت الكتلة الصلبة التى هى البطل الحقيقى فى عدم الانزلاق إلى حرب أهلية بعد ثورة ٣٠ يونيو، كما خطط أهل الشر ليكون مصير مصر مثل مصر دول الجوار، حفظها الله تعالى وحقن دماءها فى سوريا وليبيا واليمن والعراق ولبنان وفلسطين المحتلة.
وبعد دراسة عميقة وتفكير نجد أن تولى المناصب القيادية فى تلك الفترة العصيبة من أصعب القرارات حتى ولو كانت بغرض الترفيه والمتعة كما هو الحال فى الأندية الرياضية، فالكل يتحدث وينتقد وهو بعيد عن المسئولية وعند تولى المناصب القيادية تجد الكثير يتهرب من الترقى للسلم الوظيفى الأعلى وذلك يظهر فى بعض الوزارات وعند السؤال عن اشكالية القيادة والشخصية القيادية نجد ليس كل من اكتسب مهارات علمية ووظيفية يستطيع أن يكون قائدا ناجحا فالكثير يتهرب من تولى الوظائف القيادية لعدة مبررات وأسباب بعضها يتعلق بالبيروقراطية والبعض الآخر يتعلق بضعف الإمكانيات والبعض الآخر يتهرب لعدم قدرته على التوافق بين حقوق وواجبات المرؤوسين وهناك من يكون متصالح مع نفسه ولا يوجد عنده قدرة على القيادة تحت مبرر أنا بشترى دماغى أنا مسئول عن نفسى أحضر متى اشاء وأنصرف من العمل متى أشاء وغير مسئول عن سير العمل، ومن العجب أن نسبة كبيرة من تلك العقليات هى من تتصدر منصات التواصل الاجتماعى لانتقاد أداء الرؤساء والمديرين فى دولاب العمل ولا يقدموا حلول للمشكلات فقط نقد بغرض الترند.
وأصعب فئة هى من تخلط بين مكانتها الوظيفية والمجتمعية وبين من ينتقدها كبشر يخطئ ويصيب فالكل زائل والمناصب لا تدوم.
وعند البحث عن إشكالية مفهوم القيادة والشخصية القيادية والمدير الناجح نجد فى عالم الإدارة، بعض الأشخاص يعتقدون عن طريق الخطأ أن القائد الناجح هو أول من يتحدث، وأول من يوجّه، وأول من يحصل على التقدير.
لكن الحقيقة التى يؤكدها سايمون سينك فى كتابه "Leaders Eat Last" هى عكس ذلك تمامًا.
فى هذا الكتاب ومن بعض الخبرات المكتسبة من الممكن أن نتعلم أن القيادة ليست منصبًا وتشريفا بل على العكس تماما هى مسئولية إنسانية فى المقام الأول فالشخص القيادى هو من يبدأ ببناء الثقة بين مرؤسيه ويعمل على توفير بيئة معنوية يشعر فيها جميع العاملين تحت قيادته بالأمان الوظيفى والانتماء.
فالقائد الحقيقى هو آخر من يأكل هذه العبارة ليست مجرد مجاز بل قاعدة تنظيمية فى بعض الجيوش الأكثر انضباطًا فى العالم، مثل الجيش المصرى حيث يتعلم القادة أن مهمتهم ليست فرض السيطرة، بل حماية الآخرين.
ومن هنا نجد أن القيادة الحقيقية والقائد الجاد هو رمانه الميزان لنجاح المؤسسة التى تتحول تحت قيادته إلى نموذج نجاح ملهم للآخرين، فالقائد يرى نفسه مسؤولًا عن الأشخاص أولًا، قبل الأرقام.
فالمرؤوسون يشعرون تحت قيادته بالثقة بالنفس ويطلق على تلك الحالة فى علم الإدارة بدائرة الأمان (Circle of Safety)
وعلى العكس تمام عندما يشعر المرؤوسون داخل المنظمة بالخوف أو التهديد، يبدأون فى التفكير بأنانية، وينشغلون بالدفاع عن أنفسهم بدلاً من دعم المؤسسة والعمل على تقدمها وازدهارها ومن هنا يبرز دور القائد ونستطيع أن نفرق بين القائد المحنك والقائد الموظف الذى جاء عبر السلم الوظيفى دون أن يمتلك مهارات شخصية تؤهله المنصب.
فالقائد هو من يوسّع دائرة الأمان بين المرؤوسين لتشمل كل من يعمل معه، فيشعر وبالثقة، والاحترام، والانتماء. وهذا يفتح الباب أمام الإبداع، والمخاطرة، والنمو الجماعى.
وهناك قاعدة أؤمن بها منذ الصغر ومفادها أن "الناس تحت قيادتك لا تتبعك لأنك فى منصب قيادي… بل لأنهم يشعرون بالأمان بجانبك."
فلكى تكون قائد ذكى لابد أن توازن بين العمل والعاملين بحيث تحقق أعلى معدل انتاج مع تنمية روح المحبة والعمل الجماعى فذلك يدفع العاملين للعمل بجد فى بيئة يشعرون فيها بأنهم مدعومون، ومُقدَّرون، ومشاركون فى القرار.
فالقيادة ليست تحكمًا، بل خدمة فالقائد الحقيقى لا يركّز على السيطرة أو التوجيه الفوقى، بل تركيزه ينصب على خلق بيئة تسمح لفريق العمل أن ينمو، ويخطئ، ويتعلّم.
قيادة البشر لا تعنى دفعهم نحو الهدف بل مرافقتهم نحو النمو، وهنا يبرز المفهوم الأخلاقى للقيادة: أنت تخدم، لا تُستَخدم.
"فلا يمكنك أن تطلب من العاملين معك أن يكون ولاؤهم للمؤسسة دون أن يشعروا بأنك تهتم بهم حقًا."
فالنجاح الحقيقى يكمن فى قدرتك على تحويل ثقافة الخوف إلى ثقافة الثقة فحين يُدار الناس بالخوف – يتحول الموظفون إلى آلات، وتصبح الأخطاء جريمة، والنجاح الفردى وسيلة للنجاة.
لكن عندما تتحوّل الإدارة إلى قيادة حقيقية، تقوم على بناء الثقة، فإن النتيجة تكون:
ولاء حقيقى + إبداع مستمر + فرق عمل متماسكة.
وفى الختام إليكم بعض العبارات عن القائد
"القادة يأكلون أخيرًا، لأنهم يعلمون أن الفريق يأتى أولًا."
"القائد الذى لا يوفّر الأمان… لا يصنع ولاء، بل يصنع صمتًا وخوفًا."
"الأمان التنظيمى يولّد ولاءً حقيقيًا، لا يُشترى ولا يُفرض."
فالقيادة هبه من الله تعالى وعلم ودراسة وليست لقبًا… بل أسلوب حياة فلكى تكون قائدًا عظيمًا، لا يكفى أن تعرف الأهداف أو تضع الخطط التنموية بل يجب أن تفهم الناس، وتخدمهم، وتحميهم، وتمنحهم الشعور بأنهم فى أمان حقيقى، وهكذا، تكون القيادة رحلة إنسانية أولًا، واستراتيجية ثانيا.
ولكى يعود مقالى بالنفع هناك سؤل لكى من يقرأ كلامى وهو
هل ترى نفسك قائدًا؟
والإجابة ببساطة تكون بالعمل الجاد الواقعى بعيدا عن النظريات الفلسفية فلابد أن يبدأ كل من يريد أن يكون قائدا ناجحا فى توفير الأمان بمفهومه الشامل لمرؤوسيه قبل أن يطلب منهم الولاء.
فإذا كنت مسؤولًا عن فريق… اسأل نفسك:
هل يشعر من يعملون معك بالأمان والثقة؟
هل يعرفون أنك تحميهم… أم تخيفهم؟
وابدأ العمل من اليوم: فكن القائد الذى "يأكل أخيرًا"... ولكن ينجح أولًا.
Trending Plus