اقتصاد مصر الأزرق .. بوابة العبور

في عالمٍ تزداد فيه التحديات على الموارد التقليدية، تبرز مصر كدولة تُحسن استثمار عبقرية المكان، وتمتلك كل المقومات لتصبح قوة بحرية واقتصادية زرقاء. فهي ليست فقط هبة النيل، بل أيضًا هبة البحرين: المتوسط شمالًا، والأحمر شرقًا، وبينهما قناة السويس، أعظم ممر ملاحي في العالم. هنا، حيث تتقاطع الجغرافيا مع التاريخ، وحيث تُطل مصر على ما يقرب من 3 آلاف كيلومتر من السواحل، تولد الفرص الزرقاء التي لم تُستثمر بعد كما ينبغي.
ولما كان ذلك كذلك؛ فلم يعد الاقتصاد الأزرق رفاهية أكاديمية، بل أصبح ضرورة استراتيجية تمسّ الأمن الغذائي، والسيادة البحرية، والتنمية المستدامة. وفي هذا الإطار، اتخذت الدولة المصرية خطوات واثقة لتحويل سواحلها إلى روافد استثمارية وحيوية .
كان في مقدمة هذه الخطوات مدينة العلمين الجديدة، التي لم تُبنَ لتكون مجرد وجهة صيفية، بل وُلدت برؤية تراعي المفهوم الأشمل للمدن الساحلية الذكية، التي تدمج بين السياحة والبيئة والاستثمار البحري. فمن المراسي الدولية إلى البنية الفندقية إلى التخطيط الحضاري المواكب لمتطلبات الاقتصاد الأزرق، تُمثل العلمين نموذجًا لما يمكن أن تكون عليه مصر الزرقاء.
واستكمالاً للحديث عن الاقتصاد الأزرق؛ فمن الضروري الإشارة إلى الموانيء ؛ تلك الشرايين التي تنقل البضائع، وتحرك التجارة، وتُترجم الموقع الجغرافي إلى ثروة ملموسة. وقد شهدنا في السنوات الأخيرة صحوة استراتيجية في تطوير الموانئ المصرية، بدءًا من موانئ البحر الأحمر، مرورًا بالدخيلة ودمياط، وانتهاءً بمنطقة قناة السويس.
وقد تابعت باهتمام بالغ الاتفاق المبرم بين الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس ومجموعة “موانئ أبو ظبي” لتطوير منطقة “كيزاد شرق بورسعيد”، ولعل المدهش حقًا ليس مضمون الاتفاق، بل سيل الشائعات والتأويلات التي حاولت التشويش على الرأي العام، وخلق انطباعات مغلوطة توحي وكأن الدولة تفرّط في أصولها. وهو في حقيقة الأمر شراكة لا تفريط . يا سادة لا نريد انغلاق أكثر من ذلك؛ الشراكات من هذا النوع تُكسبنا الوقت والخبرة والسوق في آن واحد.
إن موقع مصر الجغرافي ليس مجرد حظ تاريخي، بل أمانة حضارية واقتصادية. والاقتصاد الأزرق، حين يُدار برؤية طويلة المدى، يمكن أن يكون مفتاحًا لتغيير معادلة التنمية في مصر.
مدينة العلمين، وقناة السويس، وموانئ البحر الأحمر والمتوسط، ليست مشاريع متفرقة، بل يجب أن تُقرأ في سياق واحد: سياق بناء الدولة الزرقاء، التي تفهم أن البحر ليس فقط حدودًا مائية، بل ثروة قومية واستراتيجية جيوسياسية.
إن البحر لا يعطي كنوزه للغافلين. ومصر، إن أرادت أن تحجز لنفسها مقعدًا في مستقبل الاقتصاد العالمي، فعليها أن تُبحر الآن… وبقوة الرياح الوطنية.
Trending Plus