قمة بغداد.. "معسكر التنمية" بديلا لـ"المحاور"

بيشوى رمزى
بيشوى رمزى
بقلم بيشوى رمزى

الظروف المحيطة بالقمة العربية المرتقبة في العراق، ربما لا تختلف كثيرا عما شهدته قمم سابقة، فالواقع يبدو دمويا، والانتهاكات في غزة فجة، إلا أن ثمة اختلافات جوهرية، تتجاوز المشهد المنظور، نحو مستقبل، يكون فيه الإقليم أو لا يكون، في إطار حديث إسرائيلي متواتر عن تغيير خريطة المنطقة بالقوة العسكرية، عبر اعتداءات متواترة، امتدت من القطاع إلى مناطق أخرى بين لبنان وسوريا واليمن، ناهيك عن اتفاق يلوح في الأفق بين الولايات المتحدة وإيران، وهي مستجدات، تتجاوز في واقع الأمر ما ترصده الكاميرات، أو تتناوله الأقلام من حقائق مجردة، نحو التداعيات المترتبة عليها، خاصة وأن التحول الإقليمي المطلوب للمواجهة يجب أن يكون جذريا، خاصة وأنه يأتي بعد سنوات طوال من الانقسام والتشرذم بين مصطلحات مبعثرة، تراوحت بين فريق للممانعة وآخر معتدل، صرفت الأنظار عن القضية المركزية، والتي من المفترض أن يكون الانتصار لها هو الهدف الرئيسي لكل أطراف المعادلة الإقليمية.

الانقسام بين محورين (ممانعة واعتدال) اتخذ منحى منتظم خلال العقدين الماضيين، حتى تحول من إطار الصراع بين القوى الإقليمية، ليتخذ بعدا أهليا، مع ظهور جماعات موالية لكل فريق داخل الدول، وهو الأمر الذي طال فلسطين نفسها منذ عام 2007، وهو ما أضعف شوكة القضية، وقوض مصداقيتها أمام المجتمع الدولي، بل وأضعف القوى المناصرة لها، وهو ما بدا واضحا خلال العقد الماضي، إبان ما يسمى بـ"الربيع العربي"، والتي أصبحت في لحظة عابرة على حافة حروب أهلية طاحنة، جردت القضية من دعم أنصارها، ليعيث الاحتلال في الأرض فسادا بين قصف أهلها وحصارهم وبناء مستوطناته، دون رادع وبمباركة شركائه الدوليين، وصولا إلى اللحظة الكارثية الراهنة، والتي ترتكب فيها كافة الانتهاكات وسط حالة من الصمت المريب، من قبل حماة الإنسانية، وداعمي حقوقها، وهو ما يعكس فشل سياسة المحاور، وعدم جدواها، وبالتالي تبقى الحاجة ملحة إلى رؤية جديدة يمكن من خلالها صياغة خريطة جديدة للإقليم.

ولعل الحديث عن الحاجة إلى تحول جذري ينبغي أن يكون أكثر شمولا من مجرد تفكيك تلك المحاور البالية، وإنما ينبغي أن يمتد إلى ما هو أبعد من ذلك، عبر توحيد الجبهة الإقليمية، ببناء شراكات بديلة، أو بالأحرى شراكة موسعة، تضم كافة أطراف المعادلة الإقليمية، لا تقتصر في جوهر أهدافها على "المقاومة" بمفهومها التقليدي، وإنما تتوسع نحو إطار تنموي، لتتحول الاستدامة إلى أداة رئيسية في تعزيز الصمود الإقليمي، في مواجهة ما يطرأ من تحديات، وهو ما يجد جذوره في العديد من القوى العربية، والتي خلقت لنفسها خططا طموحة في إطار مستدام، بهدف تعزيز قدرتها على المواجهة، وعلى رأسها الدولة المصرية، والتي لعبت مشروعاتها التنموية في إعادة صياغة دورها الدولي كقوى بارزة يمكنها تجاوز الإطار المرسوم لها، في مختلف مناطقها الجغرافية، سواء في الشرق الأوسط، أو في إفريقيا، أو بمنطقة المتوسط، ناهيك عن امتداداتها الآسيوية، وهو ما ينطبق على نماذج أخرى، في دول الخليج والأردن، وأيضا العراق.

التحول نحو التنمية لم يظل محصورًا في توجهات فردية لبعض الدول، بل اتخذ منحى جماعيًا تجسد في شراكات إقليمية واعدة، من أبرزها الشراكة الثلاثية بين القاهرة وبغداد وعمّان، والتي تمثل خطوة استراتيجية نحو إعادة توجيه بوصلة المنطقة، هذا التحول يسير على مسارين متوازيين، أولهما تقليص مساحة الصراع بين القوى المتنافسة عبر خلق أرضية مشتركة تتجاوز الخلافات، وهو ما انطلق من الشراكة المذكورة، والتي ساهمت بصورة كبيرة في تحقيق حزمة من المصالحات الإقليمية خلال السنوات الماضية، وثانيهما إعادة تعريف مفهوم المقاومة، بتحويلها من فعل عسكري مكلف ومحدود الجدوى، إلى مشروع تنموي شامل يعزز من قدرة الشعوب على الصمود. وهو ما تبدو الحاجة إليه أكثر إلحاحًا اليوم، في ظل المشهد الكارثي في غزة، حيث تدفع المقاومة الكلاسيكية ثمنها من دماء الأبرياء دون أن تحقق توازنًا حقيقيًا أمام آلة الاحتلال. بالتالي، فإن شراكات التنمية لا تطرح نفسها كبديل رمزي، بل كضرورة استراتيجية، يمكن من خلالها بناء جبهة عربية موحدة تمتلك أدوات التأثير، وتستعيد زمام المبادرة من جديد.

البُعد التنموي لا يغيب عن مشهد القمة المرتقبة في العراق. فهو حاضر، إما كأساس لبناء شراكة إقليمية موسعة، أو كمكوّن جوهري في صياغة مفهوم جديد للمقاومة، فللمرة، تنعقد القمة العادية بالتزامن مع قمة تنموية موازية، في دلالة واضحة على تداخل المصالح السياسية والاقتصادية، وتأثير كل منهما على الآخر، كما تأتي قمة بغداد بعد نحو شهرين من قمة القاهرة الطارئة، التي انعقدت في مارس الماضي، والتي ناقشت الخطة المصرية لإعادة إعمار غزة، وهي خطة لم تقتصر على البعد الإغاثي أو الهندسي، بل حملت في جوهرها رؤية تنموية شاملة، تهدف إلى تثبيت السكان في أرضهم، عبر إعادة تأهيل القطاع وتوفير مقومات الحياة الكريمة، وهي مقاومة من نوع مختلف، تكتسب أهميتها حين ندرك أن التهجير القسري يمثل أحد الأهداف المركزية لسياسات حكومة بنيامين نتنياهو. بالتالي، فإن المقاربة التنموية ليست ترفًا، بل أداة استراتيجية تُضاف إلى منظومة الصمود، في لحظة تتطلب فيها المنطقة إعادة تعريف شامل لأدوات المواجهة.

ويعد انعقاد القمة في بغداد في ذاته بعدا مهما، بعدما نجحت الدولة في تجاوز التحديات، بالإضافة إلى كونها أحد أضلاع الشراكات التنموية في المنطقة، ناهيك عن احتفاظها بعلاقاتها مع كافة القوى العربية والإقليمية، وهو ما يمثل نقطة انطلاق مهمة، في سبيل إعادة صياغة الرؤى الإقليمية، في ضوء ما تحظى به من دعم عربي، ساهم بصورة كبيرة في استعادة دورها في محيطها العربي، وهو ما أعربت عنه مصر بوضوح عبر تأكيدها على الحرص التام على إنجاح القمة المقبلة.

وهنا يمكننا القول بأن الآمال معقودة على قمة بغداد، ليس فقط في إطار القرارات التي ستخرج عنها، وإنما فيما يتعلق بإعادة صياغة الرؤى الإقليمية، حول القضايا المثارة، سواء في إطارها السياسي أو التنموي، وهو ما يفتح الباب نهج جديد من شأنه البناء على ما تحقق خلال الأشهر الماضية، بجهود القوى العربية الرئيسية، وعلى رأسها مصر، والتي تمكنت من اقتناص اعترافات بالدولة الفلسطينية، من قلب المعسكر الموالي للدولة العبرية، وهو الأمر الذي يحظى بتقدير كبير، بدا في الدعوة التي قدمتها بغداد لرئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز لحضور القمة المرتقبة، وذلك بعدما أقدمت مدريد على خطوتها التاريخية بالاعتراف بفلسطين، وهو ما يمثل رسالة مهمة للعالم لدفعهم نحو الانتصار للعدالة والشرعية التي يسعى الاحتلال إلى تقويضها.

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

تجويع سكان غزة.. الأمم المتحدة تعرب عن قلقها إزاء التقارير الدولية بالتجويع المتعمد لسكان غزة.. وتحذر من خطر المجاعة.. وتشيد بالجهود المصرية لإنهاء معاناتهم.. وجوتيريش: القطاع الصحى على المحك

بداية من غد.. فيلم عائشة لا تستطيع الطيران يعرض 7 مرات فى كان السينمائى

عاجل.. رئيس شبكة الزلازل: مركز الزلزال بعيد عن المدن المصرية ولا داعى للقلق

زلزال اليوم.. الهلال الأحمر: لم ترد بلاغات عن أضرار بسبب الزلزال حتى الآن

ماذا تفعل إذا شعرت بهزة أرضية؟ دليل مبسط للتصرف الآمن


معهد الفلك: الزلزال لم يتجاوز 20 ثانية.. ولم نسجل هزات ارتدادية حتى الآن

جهات التحقيق تستجوب متهما بالنصب علي المواطنين بزعم تسفيرهم

عاجل.. رئيس معهد الفلك: عمق زلزال اليوم كان كبيرًا.. ونتابع توابعه بدقة

عودة الاشتباكات المسلحة بين الميليشيات فى العاصمة الليبية طرابلس

زلزال القاهرة.. البحوث الفلكية: هزة أرضية بقوة 6.4 على بعد 631 كم شمال رشيد


بيان عاجل خلال دقائق.. معهد الفلك يكشف تفاصيل زلزال القاهرة

عاجل.. زلزال يضرب القاهرة وعددا من المحافظات

9 معلومات عن محاكمة نجل محمد رمضان الخميس لاتهامه بضرب زميله داخل نادى

الرمادى يستفسر عن موعد مشاركة المصابين فى الزمالك

"فى منزلنا جثة".. قصة شقة عاش سكانها فوق جثمان مدفون 8 سنوات بالإسكندرية

بشرى سارة.. "التعليم" تعلن عن مسابقة فى يونيو لتعيين معلمى الحصة

شاهد إنقاذ ياسر إبراهيم الأسطوري لمنع هدف لسيراميكا أمام الأهلي بالوقت القاتل

الجزائرى فريد الملالى مرشح للانضمام إلى الزمالك فى صفقة انتقال حر

بطاقات التأهل للدورى.. دجلة والمقاولون يقتربان ومنافسة بين أبو قير والكهرباء

البيت الأبيض: السعودية ستستثمر 600 مليار دولار فى الولايات المتحدة الأمريكية

لا يفوتك


مواعيد حجز قطارات عيد الأضحى 2025

مواعيد حجز قطارات عيد الأضحى 2025 الثلاثاء، 13 مايو 2025 09:25 م

المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى