"الستر".. الحلم البسيط الذي لا يُقاس بالذهب

في زحام الطموحات الكبيرة، وسباق الأرقام، وصرخات الرفاهية، يبقى هناك حلمٌ صغير، بسيط، لكنه عظيم، اسمه "الستر"، ليس له تعريف في كتب الاقتصاد، ولا له مؤشرات في البورصة، لكنه أعمق ما يتمناه القلب، وأصفى ما ترجوه الروح.
الستر ليس ثراءً فاحشًا، ولا بيتًا من طابقين، ولا حسابًا ينتفخ كل أول شهر، الستر هو أن تنام آمنًا، مستور الحال، لا تحتاج ولا تُذل، أن تجد طعامك دون سؤال، ودواءك دون منّة، وأن تمرّ بك الحياة بأقل ما يمكن من الانكسار، هو الرضا الذي لا يُشترى، والنعمة التي لا تُرى، لكنه إذا فُقد، اهتزت الأرض تحت قدميك.
قد تمرّ بجارك كل يوم، لا تدري أنه يستيقظ ويدعو الله "بس يا رب.. الستر"، وقد تراك أمٌ مكلومة، تتمنى لأولادها لا الشهرة، ولا المال، بل فقط "ستر آخر الشهر".
الستر هو الإنجاز العظيم الذي لا تكتبه الصحف، لكنه يتحقق في مطبخ صغير، تُدار فيه الحياة بحكمة امرأة عظيمة، تُوازن بين الفاتورة والرغيف والحُلم.
هو الرجل الذي يعمل في صمت، يعود بجيبٍ بسيط، لكن بجبين مرفوع، هو الموظف الذي لا يملك الكثير، لكنه يحمد الله على ما بين يديه، هو العفاف حين يضيق الحال، والصبر حين يبطئ الفرج، واليقين حين تبدو الدنيا مغلقة.
في مصر، نسمعها كثيرًا: "الحمد لله على الستر"، تُقال بنغمة فيها الرضا، وفيها الانكسار، وفيها الرجاء، وكأنها دعاء ودرس في آنٍ واحد، ألا تفضحك الحياة، وألا تبيع كرامتك على أرصفتها.
وكم من مؤسسات، وجمعيات، وأيادٍ بيضاء، تعمل في الخفاء، لا تطرق أبواب الإعلام، لكن طرقات الخير تُسمع في بيوت المستورين، هم جنود الستر، يوزعون الكرامة لا الإعانة، يدٌ تُعطي دون أن تفضح، ودون أن تنتظر التصفيق.
فالستر ليس مجرد غطاء مادي، بل غطاء نفسي، ومعنوي، وإنساني، وهو في حقيقته، أمنٌ داخلي لا تمنحه القوانين، بل تمنحه الرحمة والتكافل والمروءة.
فلنُحافظ على الستر بيننا كما نحافظ على الروح، فربما ننجو في الدنيا لا بما نملك، بل بما سترنا الله به، وبما سترنا به بعضنا.
Trending Plus