مصر ودائرة الفتن والنار

نزاعات متعددة الأوجه فرضتها الظروف الجيوسياسية على مصر، التى أصبحت تواجه تحديات كبيرة لحلحلة أزمات منطقة الشرق الأوسط، وفى مقدمتها القضية الفلسطينية والوضع فى السودان، واليمن، وسوريا، وتهديدات أمن البحر الأحمر، وهو ما أدى إلى تهديد الاستقرارالإقليمى فى المنطقة، وتفاقم الضغوط الاقتصادية.
بالنظر إلى الخريطة، سنجد محيط مصر ملتهب ومشتعل خاصة فى حدودها مع القارة الافريقية التى تمتلئ بالمهاجرين الباحثين عن فرصة نجاة وحياة فى شمال الكوكب، وهذا ليس أمرا جديدا، لكن على مر التاريخ لم تكن حدود مصر مع جيرانها مستقرة، وهو قدرها ألا تغفل عن هذه الحدود.
وشاءت الجغرافيا أن تكون مصر جارة فلسطين من ناحية الشمال الشرقى، بل إن عمق مصر التاريخى فيها، والحديث هنا عن غزة المحتلة من العدو الصهيونى، الذى يتربص وينتظر بين لحظة وحين، أن يكمل سرد روايته التوراتية من سيناء، لهذا كانت لأرض الفيروز كل الأهمية لدى الشعب المصرى، حيث دافع أبناؤه عن تلك الحدود الغالية، إضافة إلى أن نهرًا من الدماء ما زال يسيل، كل هذا على الشرق فقط ومن الحدود الشرقية.
وعلى الجهة المقابلة، الأمر لا يقل أهمية أيضًا، حيث الحدود الغربية مع الجارة ليبيا التى انقسمت إلى شطرين، فكان على مصر أن تدعم وتساند المؤسسات الوطنية، وكادت أن تنشط جماعات مسلحة على حدود طويلة ومفتوحة مرشحة أن تحول الجانب الغربى إلى مرتع لتهريب السلاح وغيره من الممنوعات التي قد تدخل دون استئذان، فكان على مصر التدخل، ليس لأن مصر تهوى التدخل، لكن هي متطلبات الداخل، وعلى هذا لا تنام الحدود الغربية أيضًا.
وفى الجنوب، حيث السودان غير المحظوظ منذ تأسيسه، الذى ولد واستقل ليجد نفسه فى حرب داخلية، ثم تقاطرت على سلطاته عدة انقلابات، وعانى مجاعات وصراعات قبلية، حتى وصل موخرًا إلى حرب أشعلت حدوداً لم تنطفئ يوماً لجيرانهم الشماليين فى مصر، فمن ناحية عليهم أن يتعاملوا مع أزمة اللاجئين، ومن ناحية أخرى عليهم التعامل مع مليشيات مسلحة متطرفة، ومن ناحية ثالثة عليهم السعى كى لا تصبح الجارة الجنوبية مرتعا للتدخل الأجنبى.
ومن الجنوب إلى الشمال حيث البحر - ولأن كلمة البحر توحى بالهدوء والبرودة لا يغرنكم تلك الصورة - فبحر الشمال ساخن ودائم الثوران، لذلك كان على مصر تأمين مياهها الإقليمية من قراصنة العصر الحديث، وأطماع الدول المتعطشة للغاز ومنابع الطاقة، حتى وإن هدأت حدود الشمال الآن، لكن لا يأمن مكر السياسية وتقلباتها إلا الذى لا يعرف بالسياسة، ومصر تعرف أن عليها ألا تغفل، وعدم الغفلة هذه ليست حكراً على الحدود الشمالية، بل على كافة الحدود، فالمحيط كله مشتعل وبات كحزام ناسف يطوق المنطقة.
وفى الحدود الشرقية يقع البحر الأحمر البقعة المائية الأهم فى قلب منطقة مضطربة أمنيًّا وسياسيًّا، و تُطل عليه منطقة القرن الإفريقى، التى يزيد فيها الإرهاب، وتتصف بعدم الاستقرار الأمنى فى عدد من الدول، وأيضًا طموحات القوى الكبرى التى تزيد المنافسة الدولية والإقليمية، حيث تمتلك أهدافا متعارضة ومتنافسة، مما يؤدى إلى تفاقم المنافسة الجيوسياسية، وكذلك العلاقات المتنامية لإيران والتى تصاعدت بسببها المخاطر التى تهدد حرية الملاحة البحرية فى البحر الأحمر، كما تهدد أيضًا أمن المنطقة.
Trending Plus