خالد دومة يكتب: الفراشة المحترقة

كانت بستانا يدور حوله الأدباء، تلهمهم الحب والعشق، وتفتح مغاليق قلوبهم لتتنفس العشق، ونسمات من طيفها، يحب الرجل تلك الأنوثة التى تطعمها الثقافة، يحبها ممزوجة بالفن والجمال والفكر، كانت أنوثتها حافلة بشتى ما يجذب الرجال إليها، وكانت ثقافتها المتنوعة، تجعل لها طابعا خاصا، كأنها ملتقى، لتدفق أنهار وأودية مختلفة، وكان صالونها الأسبوعى المنعقد كل ثلاثاء حافلا أيضًا برجال من الأدباء والعلماء والمهتمين بثقافة الفكر والأدب، خلاصة العقول فى كل فن رفيع، أحبها الجميع، نعم ولماذا لا يحبها الجميع؟ وفيها ما تصبو إليه كل نفس إنسانية تلتمس الجمال الروحى والجسدى، كأنها من آلهة الإغريق التي نُفخ فيها الروح، فهي تسعى بينهم بجمالها وجلالها، وقوة عنصرها، ولدت في بيت رفاهية، تنعمت فيه بوسائل كثيرة، لم تتح لكثيرات من الإناث في عصرها، تعلمت عدة لغات واطلعت على الآداب المختلفة الإنجليزية والفرنسية والألمانية، ولها ترجمات مختلفة، ثم درست اللغة العربية واتطلعت عليها وعلى فنونها المختلفة، وكتبت بها في المجلات المختلفة في ذلك العصر، ورغم ما حققته من نجاح وشهرة، وقد ذاع صيتها في الأوساط الأدبية وشهرة صالونها الثقافي كل ثلاثاء، وكأنه علامة وحدث في ذلك التاريخ.
إلا أنها بعد موت أبيها ثم أمها بعد عدة سنوات، كان تنتظرها آلام كبيرة ومتاعب، وتحولت حياتها إلى جحيم لسنوات ثلاث قضتها في مشفى العصفورية، بلبنان وذاقت من الألم أضعاف ما ذاقت من المتعة والرفاهية، وكأنها محت سنوات الجمال سنوات قبح مريرة.
هذه هي مي التي نالت منها الوحدة في أخريات أيامها بعد أن كان يلتف حولها نوابغ الفكر والأدب من أقطار الوطن العربي، كانت تلاحقها العيون حيث كانت، وتتمنى رضاها لترضى، فاذا بها وقد شقت من أهلها على خلاف حول ميراث، أو قطعة أرض تطارها الإشاعات وتتهمها في عقلها، ثم ينتابها هوس من فرط ما رأت من استنكار الأقرباء والغرباء لها، ففي حياتها المليئة، تاريخ حافل لا ينكره أحد فقد فاق أثرها كل حد، على جيل كامل من أنبغ ما أنجبت العقول العربية في ذلك الوقت، العقاد الرافعي اسماعيل صبري ولي الدين يكن البشري وغيرهم من أساطين الأدب والفكر.
Trending Plus